مفهوم العناد:
العناد عند الطفل ظاهرة طبيعية في حدودها المعقولة، وعدم وجودها أو برودها كثيراً يعتبر مؤشراً خطراً لنمو الجوانب العقلية والنفسية في حياة الطفل، كما أن ارتفاعها قد يؤدي بالطفل إلى اضطرابات انفعالية ونفسية، بل وعدم تأقلم الطفل مع مجتمعه، وخاصة إذا تعدت السن المحدد لها علمياً
فما هي ظاهرة العناد؟
يمكننا أن نعرف العناد بأنه: السلبية التي يبديها الطفل تجاه الأوامر والنواهي والإرشادات الموجهة إليه من قبل الكبار من حوله
ولا نعني بالسلبية -قطعاً- الجمود وعدم الفعل، وإنما نعني به الإصرار على الفعل الذي يخالف الأوامر، فمثلاً عندما يطلب من الطفل أن يذهب إلى مخدعه يعاند ويعكس الأمر، وعند دعوته إلى الغداء يتشاغل باللعب، وعندما يؤمر بالذهاب إلى التبول في دورة المياه يرفض ذلك، وربما يتبول في ملابسه وفراشه، وإذا خلعت ملابسه رفض لبس غيرها وهكذا …
وقد يعني العناد لزوم الحالة التي اعتاد عليها وإن كانت سيئة، فالطفل الذي اعتاد دخول المطبخ والعبث بمحتوياته الحادة والخطيرة، نجده عن نهره عن دخول المطبخ يعاكس الأمر بشدة،
وقد تظهر هذه الحالة العنادية بصورة متسارعة، وكأنها تأتي فجأة نوعاً ما، وربما تختفي كذلك، وقد تظهر بطيئة وتلازم الطفل إلى مرحلة متأخرة، وهذا عائد إلى أسباب عديدة نفسية وجسمية واجتماعية
العناد ظاهرة صحية
حتى نعرف أن العناد ظاهرة صحية وليس مرضاً لابد لنا من تعليل حالة العناد
فما تعليل ذلك؟
حسبما يرى علماء النفس أن الطفل يشعر في هذه المرحلة بتفتح قدراته الجسمية والعقلية، فقد أصبح قادراً على المشي والتنقل وقادراً على الاختبار والاستقصاء، وبدأ يحسن التكلم والتعبير، وأصبح يفهم الشيء الكثير عن محيطه وبيئته، ويعقد صلات الصداقة مع أقرانه وهو يريد أن يثبت وجوده، وأن يثبت إقدامه، بل وأكثر من ذلك يريد أن يكون محط أنظار الجميع، وباختصار يريد أن يتصرف كأي شخص آخر لـه اعتبار، واحترامه وشخصيته المستقلة
وهذا يعني أن سلبية الطفل وعناده دليل نمو شخصيته وازديادها قوة ومنعة، لا دليل شذوذه وانحرافه، فإذن هي دليل صحة لا دليل مرض، ولكن بشرط أن تكون في إطارها المعقول
تحدد الدراسات العلمية سن ظهور العناد بالسنة الثانية والنصف وينتهي مع السن الخامسة وتكون الذروة بين السن الثالثة والرابعة، ويعتبر العناد في هذه الحالة طبيعياً ويزول كذلك بصورة طبيعية، بشرط أن يحسن الوالدان كيفية التعامل مع طفلهم، وعند التصرف السيء في علاج هذه الظاهرة تظهر مشاكل عديدة في حياة الطفل تؤثر في الحال وفي المستقبل، كما أنه يحول هذا العناد الطبيعي إلى عناد سيء مفرط، وقد تطور فترة بقائه إلى سنوات عديدة تظهر كمشاكل دراسية يعاني منها المدرسون في المدرسة والآباء في المنزل
أنواع العناد وعلاجه
يتضح من خلال ما بيناه أن هناك أنواعاً للعناد، ويمكننا أن نقسمه تقسيماً نسبياً إلى نوعين: العناد الطبيعي والعناد المشكل
1- العناد الطبيعي
وهذا النوع لا يعد خطراً بل يعتبر ضرورياً للطفل، وعلى الأبوين أن يجيدا طريقة التعامل مع الطفل في هذه الحالة، فالصراخ في وجه الطفل وضربه وزجره ليس هو الحل الأمثل للتعامل مع هذه الحالة، بل إيجاد الحل البديل الصحيح مع التعزيز لذلك الحل
ونقصد بالتعزيز أن نشجع الطفل بطريقة أو أخرى على التزام الحالة الصحيحة التي نريدها لـه، فمثلاً عليك كأب -والأم أيضاً- أن تعلم طفلك بعض كلمات التعزيز التي تدخل الفرحة والسرور في قلبه لقاء عمله الجيد
وهناك طرق كثيرة يمكن أن يبتكرها الوالدان أو يتعلمانها أو يسألان عنها للتعامل مع ظاهرة العناد لدى الطفل
2- العناد المشكل
ينشأ هذا النوع مع عدم وجود البيئة الصحيحة للتعامل مع العناد الطبيعي، حيث يتطور العناد الطبيعي إلى عناد مشكل فتطول فترته ويترك آثاراً سيئة يعاني منها الأهل والمدرسون، وقد تطبع حياته بطابع العناد المستمر وعدم المبالاة والاستهتار والانصراف عن العلم، والأخطر من هذا قد يصاب بعدم التواؤم النفسي مع حياته الاجتماعية فيضطرب، وقد تسلمه حالته هذه إلى أنواع من الأمراض النفسية والعقلية والاجتماعية وقد تورثه آفة العنف
وفي حالة العناد المشكل ينبغي للوالدين أن يستعينا بأولي الخبرة للتغلب على مشكلة ولدهم وننصحهم بأن لا يلجأوا إلى الضرب إلا في حالات محدودة جداً
المؤثرات على ظاهرة العناد
نقصد بهذه المؤثرات كل ما يثير عناد الطفل فيجعل من مشكلته حالة مرضية، فيتحول العناد نتيجة هذه المؤثرات إلى حالة عصبية لدى الطفل تجعله غير مستقر، ولذلك على الوالدين والأهل أن يحذروا من استثارة ولدهم لأتفه الأسباب، أو يتخذوا من ذلك تسلية كلما أرادوا الضحك من تصرفات ولدهم، بل عليهم أن يتابعوا حالة ولدهم أولاً بأول، فيجعل لكل حالة علاجاً مناسباً، ويحاولوا أيضاً أن يقضوا على كل مؤثر سلبي، مما يتواءم مع طبيعة الطفل وفترته
فما هذه المؤثرات؟
1- مؤثرات داخلية
وهي المؤثرات التي تؤثر على ظاهرة العناد عند الطفل من داخل نفسيته كالمؤثرات الوراثية والذكاء وضعفه وغيرها، فمثلاً قد يؤثر المزاج العصبي الموجود عند أحد الوالدين في بروز حدة العناد عند طفلهم
وأيضاً من المؤثرات الداخلية تحول المؤثرات الخارجية نتيجة بقاء أثرها عند الطفل إلى عقدة نفسية، فتتفاعل هذه المؤثرات كلما كان هناك مثير خارجي
2- مؤثرات خارجية
وهي المؤثرات التي تؤثر على العناد من المحيط الخارجي نتيجة تصرف الوالدين والأهل، وكما قلنا سابقاً ربما تتحول المؤثرات الخارجية إلى مؤثرات داخلية تتفاعل عند المواقف المشابهة
وبدون ريب أن المؤثرات الداخلية هي أصعب المؤثرات، وقد لا يظهر نشاز كبير لو كان هذا المؤثر وراثياً أو من طبيعة الطفل، وربما يتفهم المحيطون بالطفل هذا الأمر، ولكن الخطر من المؤثرات الخارجية التي تبقى مستمرة في حياة الطفل مما قد تثير لديه اضطرابات نفسية ومشاكل اجتماعية
وهذه المؤثرات تتمايز في حدتها وخطورتها، فالمؤثرات التي تحدث نتيجة مؤثر مؤقت تزول بسرعة ولا تصنع من حالة العناد مشكلة تستدعي العلاج المرضي، أما المؤثرات المستمرة فهي التي تترك أثراً سيئاً ينطبع الطفل بطابعها، وهناك مؤثرات خطيرة جداً وهي المؤثرات ذات الهدف المرسوم المخطط
لكن هل هناك أهداف مخططة مرسومة لإثارة العناد؟
نعم، هناك مؤثرات من هذا النوع وهي المؤثرات التلفزيونية
أثر التلفزيون في إثارة العناد
لا أتحدث عن التلفزيون من ناحية خطورته المطلقة، ولا الجوانب السلبية أو الإيجابية المؤثرة على الطفل، ولا كيفية توجيهه لحل مشكلة العناد، لأننا في الحقيقة لا نملك هذا الحل، فهذا الحل يجب أن تتظافر الجهود الحكومية والمؤسسية لإيجاده وهذا ما لا نملكه بصفة فردية
وإنما سيكون الحديث عن أثر التلفزيون في تهييج العناد
عندما نشاهد برامج التلفزيون الموجهة للأطفال وخاصة الرسوم المتحركة سنجدها منصبة على إبراز المواقف العنادية، فهناك الشخصية الشريرة التي تعاند الشخصية الخيرة كما في مسلسل “بوباي الرجل البحار” والشخصية الشديدة التي تشاكس الشخصية اللطيفة كما في مسلسل “توم وجيري” وهكذا…
والطفل يعتبر أرضية خصبة لتأثره بما يعرض في التلفزيون سواء كانت البرامج موجهة لـه أو موجهة للكبار
نصائح لتجاوز مشكلات العناد
هناك بعض النصائح تساعد الآباء في التخفيف من سلبية الطفل وشدة عناده
1- أن يربى الطفل منذ البدء تربية نظامية، فيها تلبية لحاجاته الجسمية والنفسية، ولكن دون إيجاد عادات سيئة، فالطفل ما أسرع ما يتعود وما أصعب أن يترك ما يتعود
2- عند إطعام الطفل يترك لـه حرية اختيار ما يحب أكله دون إجباره على نوع معين أو على المزيد من الغذاء
3- توفير الألعاب المناسبة لدرجة تطوره العمري، وأن يترك لـه حرية الاختيار لهذه اللعب
4- عند تعليمه النظافة يجب أن يعامل بلطف وخاصة عند التبول وقضاء الحاجة، فإن الشدة تثير عناده وتغرس فيه روح المشاكسة
5- أن نخفف ما أمكن من الأوامر والنواهي والتدخل، وأن نعلم الطفل السلوك الاجتماعي واحترام حقوق الآخرين باللطف واللين والتدرج بروح مفعمة بالحب
هذا، ولابد من الحزم في بعض المواقف، وإلا أصبح الطفل مائعاً قلقاً غير قادر على تحمل مسؤوليته في المستقبل، وأيضاً لابد من توفر القدوة الحسنة في الوالدين والأهل لكي يحتذيها الطفل
المراجع:
مجلة العربي، العدد 375، ص 168، مقال عناد الطفل، للدكتور نبيه الغبرة.1
سايكولوجية الطفولة والمراهقة، د. عبدالعلي الجسماني، ط الدار العربية للعلوم، ص 144.2
سايكولوجية الطفولة والمراهقة، ص 144.3
طرق دراسة الطفل، عزة مختار ومحمد البواليز، د دار الفكر للنشر والتوزيع، ص 17-18.4
منقوووول للفائدة
مقالات و ابحاث
- 29 نوفمبر, 2017 أسباب السلوكيات السيئة لدى الأطفال
- 27 نوفمبر, 2017 لعبة فيديو لتحسين قدرة المصابين بالتوحد
- 26 نوفمبر, 2017 دراسة تربط تناول مضادات الاكتئاب أثناء الحمل بزيادة طفيفة في مخاطر التوحد
- 26 نوفمبر, 2017 عقار جديد قد يحدث طفرة في علاجات مرض التوحد
Leave a reply