الشبيبة
مسقط – ش
الثلاثاء 9 فبراير 2016
استطاعت السلطنة خلال العقود الفائتة أن تخطو خطوات متقدمة في مجال رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث شملت خدماتها الإعاقة الحركية والسمعية والبصرية ومتلازمة داون والإعاقة الذهنية، وقدمت خدمات تأهيلية وتعليمية وصحية لهذه الفئة بالتعاون بين الحكومة والجمعيات الأهلية والقطاع الخاص.
وفي السنوات الأخيرة ظهر للعيان اضطراب طيف التوحد الذي لا يرتبط بجنس أو عمر أو ثقافة أو منطقة جغرافية، ويكاد لا يخلو مجتمع من وجود حالات اضطراب طيف التوحد مهما بلغت هذه المجتمعات من التطور والتقدم في مختلف المجالات وبخاصة المجالات الصحية والاجتماعية والتربوية.
ويعرف التوحد بأنه اضطراب نفسي لا يمكن تشخيصه بالأشعة والتحاليل، ولكنه يعتمد أساساً على رصد وملاحظة سلوكيات الطفل وعلاقاته وتواصله مع المقربين إليه، وتعتبر هذه الملاحظة من أهم سبل التشخيص، كما تؤدي الأم دورا أساسيا في الاكتشاف المبكر للتوحد لدى طفلها من خلال ملاحظتها لاستجابة الطفل وتفاعله منذ عمر الستة أشهر، أو ملاحظتها للتغير وفقد المهارات التي اكتسبها الطفل مسبقا بخاصة من بداية سن 18 شهرا، ومن أهم القدرات التي يفقدها الطفل عدم القدرة على التواصل مع الأهل مقارنة بأقرانه مع فقدان القدرة على التعبير عن احتياجاته أو الاحساس بأعراض أي مرض يصيبه، كما يفقد الطفل في تلك الحالات الاحساس بالخطر، وتكون حواسه أعلى أو أقل بكثير من الطبيعي.
وفي السلطنة يحظى التوحد باهتمام المؤسسات المعنية بالإشراف وتقديم خدمات العلاج والتأهيل للمصابين بالتوحد والمتمثلة في وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة التربية والتعليم ووزارة الصحة، حيث تبذل هذه المؤسسات الثلاث قصارى جهدها لتوفير الخدمات الرعائية المختلفة لهذه الفئة من أبناء الوطن، سواء من خلال تقديم البرامج التأهيلية والتدريبية للأطفال وأولياء أمورهم، أو تقديم خدمات التشخيص والعلاج أو الدمج بالمدارس والمجتمع، إلى جانب خدمات الاشراف على المراكز والمؤسسات التأهيلية الخاصة بالتوحد في السلطنة.
وزارة التنمية الاجتماعية
تسعى وزارة التنمية الاجتماعية في إطار مسؤوليتها إلى تقديم كل ما هو ممكن -بحسب الموارد المتاحة- لضمان مستوى أفضل من الخدمات الاجتماعية المقدمة لأطفال اضطراب طيف التوحد، وبالأخص التأهيلية منها بما يمكّن هذه الحالات من الاندماج قدر المستطاع في المجتمع وفقا لقابليتهم لعملية التأهيل، ولتحقيق ذلك فإن الوزارة لديها (27) مركزا حكوميا بمختلف محافظات السلطنة وتقدم خدمات التأهيل لـ (331) حالة من حالات اضطراب طيف التوحد، كما ان الوزارة قامت بتوفير (147) من الكوادر المتخصصة المؤهلة من خارج السلطنة لتقديم خدمات التأهيل في تلك المراكز والمؤسسات، إلى جانب وجود (164) من العمانيات اللواتي يعملن في مجال التربية الخاصة في تلك المراكز، حيث تم اخضاعهن للعديد من الدورات التأهيلية والتدريبية بما يمكنهن من تقديم الخدمات المناسبة لهذه الحالات.
إلى جانب الحالات الملتحقة بمراكز التأهيل الحكومية فقد ألحقت وزارة التنمية الاجتماعية (410) حالات من اضطراب طيف التوحد لتلقي خدمات التأهيل بمراكز التأهيل الخاصة، حيث يمثل هذا العدد ما نسبته (84 %) من مجموع الحالات من مختلف الاعاقات التي ألحقتها الوزارة في هذه المراكز.
كما قامت الوزارة بصرف (889) بطاقة شخص ذي إعاقة للحالات المسجلة في نظامها ضمن حالات اضطراب طيف التوحد، وكذلك رخصت الوزارة (13) مركزاً متخصصا في مجال التوحد من مجموع (20) مركزا خاصا يعمل في مجال الاعاقة، وإشهار الجمعية العمانية للتوحد التي أصبحت شريكا فاعلا في تقديم الخدمات، وتحديدا البرامج التوعوية الموجهة لأسر وأولياء أمور حالات اضطراب طيف التوحد، كذلك عملت الوزارة على استحداث مجموعة من الوحدات التأهيلية المتخصصة في مجال التوحد بمراكز الوفاء لتأهيل الأطفال المعاقين في صلالة وبالمركز التابع لجمعية رعاية الأطفال المعاقين بجعلان وجاري العمل حاليا على انشاء وحدة مماثلة بمركز الوفاء لتأهيل الأطفال المعاقين بولاية صور.
اما فيما يتعلق بمجال تأهيل وتدريب العاملين مع حالات اضطراب طيف التوحد فقد نفذت وزارة التنمية الاجتماعية مجموعة من البرامج التدريبية لكافة العاملين في هذا المجال، شملت برنامج تحليل السلوك التطبيقي (ABA) ومنهج السلوك اللفظي (V.B) وكذلك برنامج التوجيه الوقائي في إدارة السلوك وإدارة التحديات السلوكية، إلى جانب ابتعاث عدد من موظفي الوزارة الى الولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة وتأهيلهم في برنامج (صن رايز) وشمل ايضا ابتعاث (13) أسرة للولايات المتحدة الامريكية، ما أدى إلى تنفيذ البرنامج داخل السلطنة حيث استفادت منه (500) أسرة تدربت على هذا البرنامج، هذا إلى جانب قيام الوزارة حاليا وبالتنسيق مع وزارة التعليم العالي وجامعة نزوى لاستحداث برنامج الدبلوم الاكاديمي في مجال التوحد.
وفي شأن النظرة المستقبلية في مجال اضطراب طيف التوحد فإن الوزارة تعمل على مجموعة من الاتجاهات والخطوات لتطوير الخدمات الاجتماعية وبالأخص التأهيلية منها، لعل أهمها توفير المزيد من خدمات التأهيل من خلال انشاء مركز متخصص لتأهيل حالات اضطراب طيف التوحد بمحافظة مسقط ومركز آخر بمحافظة ظفار، وكذلك إنشاء وحدات للتأهيل المهني يمكن من خلالها استيعاب الحالات القابلة للتأهيل من خلال إنشاء وحدات لتأهيل حالات اضطراب طيف التوحد ملحقة بمراكز الوفاء لتأهيل الاطفال ذوي الإعاقة.
ونظرا لأهمية برامج التدخل المبكر لهذه الحالات فإن الوزارة تسعى نحو إنشاء مركز وطني للتشخيص والتقييم المبكر يحقق مزيدا من الدقة في عملية التشخيص ويساهم بفعالية في تحديد الخدمات المناسبة لكل حالة على حدة.
وزارة التربية والتعليم
ومن جانب وزارة التربية والتعليم فقد أعدت الوزارة تصورا كاملا لإدراج التوحد بمدارس التربية الخاصة، نزولا عند رغبة ومطالبة أولياء أمور الأطفال المصابين بالتوحد بتوفير الخدمة لأبنائهم، بالإضافة إلى رغبة الوزارة في توفير خدمة ذات جودة عالية لهذه الفئة بسبب قلة المراكز المتخصصة والمهيأة لاستقبال الاطفال المصابين بالتوحد وتركزها في محافظة مسقط، وقد تم ادراج مشروع التوحد ضمن خطة عمل بين وزارة التربية والتعليم ومنظمة اليونيسف في العام 2015 وذلك بهدف الحصول على خبرات عالمية واقليمية في هذا المجال تحت اشراف خبراء من اليونيسيف وفريق الوزارة.
وقد تم تنفيذ زيارة استطلاعية لخبراء اليونيسيف للسلطنة للالتقاء بالمختصين من كافة القطاعات لدراسة الوضع الراهن للأطفال المصابين بالتوحد ودراسة البحوث المتعلقة بالتوحد في السلطنة، وكذلك تصميم أدوات الدراسة وجمع البيانات من الجهات المعنية بالتوحد، كما أجرى الخبراء لقاءات مع المختصين وزيارات للمحافظات وتحليل للبيانات واعداد النتائج، بالإضافة إلى الانتهاء من تطوير استراتيجية عمل وطنية للتعامل مع التوحد على مدى 10 سنوات وخطة عمل ممتدة لمدة 5 سنوات لمساعدة الأطفال المصابين بالتوحد.
تهدف الاستراتيجية إلى نشر الوعي بثقافة التوحد في المجتمع المدرسي والمجتمع المحلي وتقديم الدعم للأطفال المصابين وذويهم للاستفادة من الخدمات التي يحتاجون إليها، وكذلك دمج الاطفال المصابين في المجتمع والمدرسة وتحسين جودة الخدمات المقدمة لهم، بالإضافة إلى وضع آليات التعاون والتكامل بين الجهات المعنية لتقديم خدمات التشخيص والتدخل المبكر لأطفال التوحد، وتعتمد هذه الاستراتيجية على قيم العقيدة الاسلامية الموجودة في المجتمع العماني، بالإضافة إلى الاستناد على اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية الاشخاص ذوي الاعاقة التي صادقت عليها السلطنة وإلى قانون الطفل العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 22/2014، وتقوم الاستراتيجية على 7 محاور رئيسية للتعامل مع حالات التوحد وهي القيادة الاستراتيجية والتوعية بالتوحد، وأيضا تقديم الخدمات التشخيصية لهم وتحليل التجارب التي عايشتها الأسر، والاستفادة من الخدمات المقدمة للأطفال وتدريبهم وتوفير الخدمات التعليمية والاجراءات المتبعة.
وزارة الصحة
من جانبها تقوم وزارة الصحة ببذل جهودها في مجال اضطراب التوحد، حيث تم استقطاب اخصائي نمو سلوكي والذي يتواجد حاليا بمستشفى المسرة، بالإضافة الى تقديم الخدمات للمصابين بالتوحد من خلال مركز الطب السلوكي بمستشفى جامعة السلطان قابوس، كما أن الوزارة في طور التوسع في تقديم هذه الخدمة لتشمل المستشفيات المرجعية بالمحافظات على الرغم من صعوبة استقطاب هذا النوع من التخصص عالميا.
وتعمل وزارة الصحة حاليا على إعداد خدمة تشخيص التطور السلوكي ضمن بطاقة صحة الطفل (البطاقة الوردية) وذلك لتسهيل اكتشاف الحالات وربط حالات الاطفال المحتمل اصابتهم بطيف التوحد بمراكز التشخيص ومراكز التدخل المبكر، وتدريب القائمين على بطاقة صحة الاطفال من أطباء وطاقم التمريض وأولياء الأمور لمعرفة التغير في سلوكيات الأطفال او التأخر في نمو الطفل والتي يمكن ان تعتبر مؤشرا مبدئيا من حيث مدى إصابة الطفل بعلامات التوحد، حيث تعتبر هذه الخدمة هي الجزء الخاص بالتقييم والتشخيص المبكر على مستوى المراكز الصحية كنوع من الرعاية الاولية لهم، وتقوم منهجية العمل بعد ذلك بتحويل الحالات المشتبه في اصابتها بطيف التوحد إلى الخدمات التشخيصية والعلاجية في المستشفيات المرجعية لتأكيد التشخيص وإجراء الفحوصات الإكلينيكية سواء كانت مخبرية او اشعاعية او فيزيولوجية، ومن ثم وضع الخطة العلاجية لهم وتوفير الأدوية اللازمة إذا كان طيف التوحد إكلينيكي، وبعدها تتم متابعة الطفل من قبل الجهات المعنية وتزويد تلك الجهات بتقارير شاملة ومعتمدة، سواء كانت لوزارة التنمية الاجتماعية او وزارة التربية والتعليم لمواصلة العلاج التأهيلي حسب المراحل السنية وذلك لما تقدمة هذه الوزارات من خدمة في هذا المجال.
كما تعكف الوزارة حاليا على إعداد خوارزمية واضحة لخط سير الحالات بين المستويات المختلفة للرعاية الصحية والتأهيلية بين الوزارة والقطاعات ذات العلاقة بهذا الامر، علما بأن وزارة الصحة تقوم حاليا بتقديم خدمة الفحص المبكر للأطفال من حيث إجراء الفحص الشامل لهم بعد الولادة، ويشمل فحص السمع والبصر وأيضا الفحوصات المخبرية الخاصة بالغدة الدرقية والفحص الشامل لنمو الطفل، وإذا وجد ان الطفل يعاني من مشاكل في النمو فيتم مباشرة تحويلة الى طبيب الاطفال المختص بالطب السلوكي ويعاد ذلك الفحص قبل دخول الطفل الى المدرسة للتأكد من عدم وجود أي مشكلة في الابصار او السمع وكل هذه الجهود والخدمات الموجودة قد ساهمت في تشخيص العديد من حالات التوحد.
ومن بين الجهود التي تقوم بها وزارة الصحة أيضا وبالتعاون مع جامعة السلطان قابوس إعداد دراسة علمية تقييميه لمعرفة حجم المشكلة، بالإضافة الى برامج تدريبية لتنمية قدرات الكوادر الطبية والطبية المساعدة العاملين بمؤسسات الرعاية الصحية الأولية في مجال تقييم وتشخيص حالات طيف التوحد.
رابط الموضوع:
http://www.shabiba.com/article/126279/%D9%85%D8%AD%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA/%D8%AC%D9%87%D9%88%D8%AF-%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%AA%D9%83%D8%A7%D9%85%D9%84%D8%A9-%D9%84%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%AD%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%A1-%D8%A3%D9%85%D9%88%D8%B1%D9%87%D9%85
مقالات و ابحاث
- 29 نوفمبر, 2017 أسباب السلوكيات السيئة لدى الأطفال
- 27 نوفمبر, 2017 لعبة فيديو لتحسين قدرة المصابين بالتوحد
- 26 نوفمبر, 2017 دراسة تربط تناول مضادات الاكتئاب أثناء الحمل بزيادة طفيفة في مخاطر التوحد
- 26 نوفمبر, 2017 عقار جديد قد يحدث طفرة في علاجات مرض التوحد
Leave a reply