النظريات والخدمة الاجتماعية الإكلينيكية
أهمية النظريات:
للنظرية أهمية في توجيه الممارسة المهنية، فهي تساعد على توجيه الأخصائي الاجتماعي في التركيز على المناطق الهامة في دراسة العميل، وفي تفسير مشكلته، فلو فرضنا أن هناك حالة تتعرض للإيذاء الجسدي، فالأخصائي المتبع لنظرية التحليل النفسي (سيكولوجية الأنا) سيركز في دراسته على البحث عن أسباب التعرض للإيذاء، وعن كيفية تأثير الإيذاء على أداء الفرد لوظائفه وتفاعل مكوناته الشخصية مع البيئة المحيطة. وسيسعى للكشف عن تأثير المشكلة على أداء وظائفه الإدراكية، وكيف يفسر العميل أو يدرك هذه المشكلة.
أما في حال كان الأخصائي الاجتماعي يعمل من خلال النظريات السلوكية فسيركز على استخدام المقاييس العلمية التي تقيس جوانب مختلفة من شخصية العميل، والنظر للمشكلة على اعتبارها تعلم خاطئ لسلوكيات معينه.
أما من خلال نظرية الأنساق فتفسر المشكلة على اعتبارها مشكلة بثقافة وعادات يتناها مجتمع العميل، وسيتم التعرف على تأثير المشكلة على علاقات العميل وعلى أداء دوره ومحددات هذا الدور.
معايير اختيار نموذج نظري :
هناك نماذج نظرية كثيرة ومتعدده يمكن أن يستخدمها ويوظفها الأخصائي الاجتماعي في ممارساته المهنية ولكن هناك شروط لاختيار نموذج نظري دون الأخر يمكن أن نحددها في:
- 1. أن يكون النموذج من النماذج السائده التي أجري عليها عديد من الدراسات لتثبت فاعليتها في التعامل مع مشكلات العملاء.
- 2. أن يكون النموذج واقعي وقابل للتطبيق (لا يحوي مفاهيم غير واقعية، أو لايمكن فهمها)
- 3. أن يتناسب مع قيم وعادات وثقافة المجتمع المطبق فيه النموذج (فمثلاً نظرية دارون التي تقول بتطور الإنسان من أصل حيوان لا تتناسب مع ثقافة المجتمع المسلم)
- 4. أن يكون لدى الأخصائي الاجتماعي فهم كامل له ولتطبيقه.
سيكولوجية الأنا:Ego-Psychology
كانت بداية ظهور مفهوم الأنا من خلال كتابات فرويد حول بناء الشخصية، حيث إن مفهوم الأنا شكل أحد المفاهيم الأساسية لنظرية التحليل النفسي الفرويدية، وقد تطور هذا المفهوم ليشكل فيما بعد نظرية قائمة بذاتها على يد آنا فرويد 1936م، حينما نشرت نظريتها التي أطلقت عليها سيكولوجية الأنا، التي ركزت فيها على تطور الذات الشخصية من خلال تفاعلها مع البيئة المحيطة بها ومن خلال العلاقات الشخصية للفرد مع التركيز على تأثير العوامل الغريزية على نمو الذات وتطورها (علي، 1995 (ج): 109؛ Turner, 1996: 191; Internet,2006:(3)). وقد استطاعت هذه النظرية أن تحتل فيما بعد مكانة عالية كإحدى النظريات المفسرة للسلوك البشري (Goldstein, 1995: 7)، وقد عرفت أنا فرويد سيكولوجية الأنا بأنها “مجموع الديناميات التي تختص مباشرة بالقوى النفسية المتصارعة” (عبدالخالق، 2001: 112).
هذا وقد قامت نظرية سيكولوجية الأنا على النقاط التالية في تحديدها لوظيفة الذات وهي (عبدالخالق، 2001: 112- 113؛ Northen, 1995: 55; Turner, 1996: 196; Goldstein, 1995: xii):
- · في الوقت الذي كانت تنظر فيه نظرية التحليل النفسي على أن جميع دوافع السلوك لا شعورية رأت نظرية الأنا أن هناك عمليات شعورية مؤثرة يدركها الفرد تمام الإدراك.
- · كما أن نظرية الأنا ترى أن الإنسان يتأثر بالحاضر والماضي، كما أن جميع المواقف والأحداث التي تمر بحياة الإنسان يكون لها تأثير عليه، وليس فقط التأثير مقتصر على الخمس سنوات الأولى.
- · ترى نظرية الأنا أن البيئة environment لها دور في تحديد سلوك الأفراد وتكوين ذاتهم، وأن الذات تنقسم لقسمين: أحدهما، أولية وناضجة، والثانية، تنمو بالخبرة والممارسة.
- · كما أن نظرية الأنا ترى أن الصراع لا ينشأ فقط بسبب عوامل داخلية (غرائز ودوافع) بل إن هناك عوامل خارجية تتمثل في الثقافة والعلاقات الاجتماعية تؤدي لحدوث الصراع، وأن وظيفة الذات هي التغلب على ذلك الصراع.
- · إن لدى الفرد القدرة على مواجهة آلامه وإحباطاته من خلال ملكة الإبداع.
وبالتالي استطاعت نظرية سيكولوجية الذات أن تستقر كنظرية نابعة من نظرية التحليل النفسي ولكن تختلف عنها في الجوانب التي تركز عليها بحيث أصبح للواقع والشعور دور دينامي في سلوك البشر (عبد الخالق، 2001: 113؛ Internet, 2006: (3)).
سيكولوجية الأنا وممارسة الخدمة الاجتماعية:
حظيت نظرية الأنا باهتمام بالغ من قبل المنتمين لمهنة الخدمة الاجتماعية وبالأخص خدمة الفرد، حيث أنها قدمت لهم إطاراً نظرياً وفكرياً استطاع تغيير مفاهيم متعلقة بممارسة خدمة الفرد منذ منتصف القرن العشرين وحتى الوقت الراهن (Northen, 1995: 54). فأول تأثير ظهر لنظرية الأنا كان من خلال ظهور مدخل للممارسة اعتمد على مفاهيم وفرضيات هذه النظرية وهو الاتجاه النفسي الاجتماعي approachpsycho-social. ويعود اهتمام علماء وممارسي الخدمة الاجتماعية بنظرية سيكولوجية الأنا لأنها ساعدتهم كثيراً في فهم المواقف الإنسانية التي يواجهونها، حيث تغيرت تلك النظرة القاصرة على الفرد التي كانت تزودهم بها الأطر النظرية التقليدية لنظرية التحليل النفسي التي كانت تركز على اللاشعور وعلى المواد المكبوتة في اللاشعور، وهذا لا يساعد الأخصائيين الاجتماعيين كثيراً في التعامل مع عملائهم حيث إنه ليس من وظائفهم استرجاع اللاشعور، بل دور الخدمة الاجتماعية يتعامل مع العملاء من خلال الموقف ((Goldstein, 1995: 31. كما أن تركيز سيكولوجية الأنا على الواقع والشعور وتأثير العلاقات والعوامل الاجتماعية على سلوكيات الأفراد كان مناسباً ومتفقاً كثيراً مع الاتجاه العام لخدمة الفرد التي تولي اهتماماً ببيئة الفرد وبخبراته وتجاربه وتأثيرها على نموه وأدائه لوظائفه الاجتماعية (علي، 1995 (ج): 120). وقد ساعدت نظرية سيكولوجية الأنا الأخصائيين الاجتماعيين كثيراً في عملية التشخيص من خلال تقدير الموقف والعوامل المؤثرة على قصور الفرد في أداء إحدى وظائفه أو في قدرته على التكيف السليم مع البيئة الخارجية وذلك من خلال مساعدة الأخصائيين الاجتماعيين على تحديد دور البيئة في تحديد شخصية العميل في الماضي والحاضر وأثر ذلك على أدائه لأدواره ومهامه (Goldstein, 1995: 34-35). كما أنها ساعدت الأخصائيين الاجتماعيين على تقدير وظائف الأنا وتشخيص مستوى تطور هذه الوظائف والمتمثلة في الإدراك والتفكير، والتكيف، والتنفيذ ومدى التكامل بين هذه الوظائف. حيث إن تحديد القصور في أداء هذه الوظائف يساعد على تقديم تشخيص لمشكلة العميل في ضوء أن المشكلة نتيجة لعجز في أداء وظائف الأنا، وتحديد ما إذا كانت تؤدي الأنا وظائفها على وجه سليم أو أنها تعاني من ضغوط سواء كانت نابعة من دوافع الفرد وغرائزه أو من البيئة، وهذا الفهم لذات العميل يساعد في وضع خطة علاجية سليمة (علي، 1995 (ج): 121-122؛ عبد الخالق، 2001: 118-119).
التطور التاريخي لنظرية الأنساق العامة:
كانت بداية ظهور نظرية الأنساق العامة general systems theory على يد عالم الفيزياء النمساوي فون بيرتالانفي Von Bertalanffy عام 1920م وقد تبلورت في شكلها النهائي عام 1956م (النوحي، 2005: 41؛ الدخيل، 2006: 112؛ سليمان وآخرون، 2005: 46؛ Brandell, 1997:3; Turner, 1986: 515). وقامت فكرتها على أساس أن الكل أكبر من مجموع الأجزاء المكونة له، وكانت تطبيقاتها في البداية على الأنساق الحية وعلى الإنسان وعلى كيفية تكامل وظائفه وتداخلها مع بعضها البعض واعتمادها على البيئة الخارجيةInternet, 2006: (6)) Turner, 1986: 514; ).
واستطاعت نظرية الأنساق العامة أن تحظى بقبول واهتمام الكثير من المتخصصين في العلوم الأخرى وعلى الرغم من أنها ولدت في أحضان العلوم الطبيعية على الأنساق غير الحية ومنها انتقلت للأنساق الحية organismic biologyحيث تم تطبيقها على الكائنات البيولوجية، إلا أنها أيضاً وصلت للعلوم الاجتماعية والإنسانية وأصبح ينظر لها على أنها أكثر من مجرد نظرية وأنها تمثل توجها نظرياً أو فكرياً في النظر للأنساق الحية وفي علاقتها بالبيئة .(Rauch,1993: 3, Internet, 2006: (7)) environment وتتسم نظرية الأنساق العامة بالعمومية والشمولية وهاتان الصفتان تؤكدان أصالة أي نظرية ولكن يؤخذ عليها اتساع عموميتها حتى أنها شملت كل ما في الكون تقريباً وما يمكن إدراكه وما لا يمكن إدراكه من مكونات الكون. ومن هذا المنظور أصبح ينظر لها على أنها أكثر من مجرد نظرية لأن من خصائص النظرية العلمية هو اتساق وتكامل مفاهيمها وقدرتها على توجيه المتخصصين في علم ما من العلوم. ونظراً لأن نظرية الأنساق العامة تنظر نظرة شمولية وتحاول تفسير الكون وتقديم فهم لعلاقة أجزائه في إطار تكاملي فهي تمثل توجها نظرياً أكثر من مجرد كونها نظرية محددة (النوحي، 2005: 42).
ومع كل ذلك فإن نظرية الأنساق العامة استطاعت أن تقدم الكثير للعلوم الإنسانية على وجه العموم. ولعل الخدمة الاجتماعية كانت أحد هذه العلوم أو التخصصات التي استفادت منها وأصبح الكثير من أفكارها ومفاهيمها يشكل جزءاً من مكونات تخصص الخدمة الاجتماعية، ويعود الفضل في تبلورها كنظرية تخدم الممارسة في الخدمة الاجتماعية على يد هيرن Hearn في نهاية الخمسينيات من القرن العشرين (الدامغ، دون تاريخ: 49؛ الدخيل، 2006: 112).
وقد استطاعت نظرية الأنساق العامة والنظريات المنشقة عنها أن تتبوأ مكانة عالية بين النظريات التي يتم الاعتماد عليها في مهنة الخدمة الاجتماعية فقد قدمت العديد من المفاهيم التي أصبح من الشائع استخدامها في مهنة الخدمة الاجتماعية كمصطلح نسق المساعدة helping system ونسق العميل client system. كما أنها ساعدت أيضاً في ظهور نماذج نظرية اعتمدت على معطيات ومفاهيم نظرية الأنساق العامة حيث تمثل نماذج العلاج الأسري family therapy approaches أحد تلك النماذج النظرية المنبثقة من خلال نظرية الأنساق العامة (الدامغ، دون تاريخ، 49). وكذلك النموذج الايكولوجي أو ما يشار له في بعض الكتابات بنموذج الحياة model life من النماذج التي ظهرت وتطورت من خلال معطيات نظرية الأنساق العامة (سليمان وآخرون، 2005: 47).
أهم فرضيات ومفاهيم نظرية الأنساق العامة:
قامت نظرية الأنساق العامة على العديد من الفرضيات، وتتفاوت تلك الفرضيات في مدى قابليتها للاختبار، فبعضها تم اختباره تجريبياً وبعضها غير قابل للاختبار (عوض، 2005؛ 363)، وكذلك في قدرتها على التنبؤ فالكثير من فرضيات الأنساق العامة لا يساعد على التنبؤ (الدامغ، دون تاريخ: 48). ومع ذلك فإن نظرية الأنساق العامة تحظى بقبول واسع في أوساط المنتمين لمهنة الخدمة الاجتماعية.
ومن أهم الفرضيات التي قدمتها نظرية الأنساق العامة تلك الفرضية التي ترى أنه يمكن “النظر للمادة في كل صورها الحية منها وغير الحية، كأنساق، وهي باعتبارها أنساقاً لها خصائص مميزة ومعينة جديرة بالدراسة فالفرد نسق والأسرة نسق والمجتمع المحلي نسق وهكذا وكل نسق من تلك الأنساق له صفاته وخصائصه المحددة” (النوحي، 2005: 43؛ الدامغ، دون تاريخ: 48).
كما أن نظرية الأنساق العامة تنظر نظرة ترابطية للعالم، فكل كيان ينظر له من خلال علاقته بالكيانات الأخرى التي يتأثر بها ويؤثر فيها (Brandell, 1997: 8).
ومن فرضيات نظرية الأنساق تلك الفرضية التي ترى أن مجموع الكل أكبر من الأجزاء المكونة له وأن له خصائصه التي تميزه عن خصائص الأجزاء المكونة له، فالارتباط القائم بين الأجزاء يتولد عنه خصائص تختلف عن خصائص الأجزاء الأساسية والأسرة مثال على ذلك، فالأسرة كنسق تختلف خصائصها عن خصائص الأفراد المكونين لها وكذلك الفريق أو جماعة الأصدقاء تختلف عن الأفراد المكونين لهذه المجموعة لو تم تحليل كل فرد على أنه نسق قائم بذاته (النوحي، 2005: 43؛ الدامغ، دون تاريخ: 48).
كما تفترض نظرية الأنساق أن أي تغيير يطرأ في أي جزء من أجزاء النسق يؤثر على بقية أجزاء النسق وعلى النسق ككل (Brandell, 1997: 8).
ومن فرضيات نظرية الأنساق أنها ترى أن لكل نسق إطارا مرجعياً محدداً يحدد سلوك الأفراد داخل النسق (الدامغ، دون تاريخ: 48).
كما أن نظرية الأنساق تفترض أن هناك نسقين من الأنساق وهي الأنساق المفتوحة open system والأنساق المغلقة closed system وأن الأنساق المفتوحة هي التي يكون هناك تفاعل دائم بينها وبين البيئة المحيطة. وتتميز هذه الأنساق بالنمو المستمر وزيادة التخصصية داخل النسق. وحتى تحافظ الأنساق المفتوحة على وجودها لابد أن يكون هناك توازن في علاقتها مع البيئة الخارجية وأن تحافظ على مستوى محدد من الحدود المفتوحة مع العالم الخارجي، وبالتالي فإن أي زيادة أو نقص في هذه الحدود يؤدي إلى اختلال التوازن داخل هذا النسق(Internet, 2006: (8)) .
أما الأنساق المغلقة فإن مصيرها الزوال وذلك لأنها تكون في حالة سكون وليس لديها القدرة على التفاعل مع البيئة الخارجية التي تُعد مصدراً من مصادر الإمداد بالطاقة التي تساعدها على الاستمرار والنمو المتوازن (Turner, 1986: 517).
مفاهيم نظرية الأنساق العامة:
تتضمن نظرية الأنساق العامة مجموعة من المفاهيم ومنها:
النسق System:
يعرف النسق بأنه “مجموعة الوحدات والعلاقات المتبادلة بين هذه الوحدات”. والنسق حسب تعريف هارتمان ولاريد Hartman & Larid هو وحدة تتكون من أجزاء أو وحدات متباينة ومتماسكة معاً، وكل وحدة معتمدة على الوحدات الأخرى (النوحي، 2005: 44؛ الدامغ، دون تاريخ: 49).
الحدود Boundaries:
تشير الحدود إلى مجموعة القواعد التي تشكل إطاراً أو سياجاً يحيط بمجموعة الأفراد أو الأنساق التي تتفاعل مع البعض وهذه الحدود وهمية ولكنها هي المحيط العام الذي يمكن تحديده لتوضيح العناصر الداخلة في النسق والخارجة عنها التي يتفاعل معها. ويجب أن تكون هذه الحدود واضحة ومحددة (الدامغ، دون تاريخ: 50؛ النوحي، 2005: 53).
والنسق العام يضم كذلك أنساقاً فرعية وكل نسق من هذه الأنساق الفرعية لابد أن تكون له حدوده الواضحة والدقيقة التي تحدد مهامه وأنشطته. وكلما كانت الحدود واضحة كلما أدى ذلك إلى مزيد من التخصصية بين أجزاء النسق الواحد(Internet, 2006: (9)) .
التوازن Equilibrium:
تميل الأنساق بشكل عام إلى تحقيق مستوى من التوازن من خلال استيراد الطاقة وتصديرها، وفي حال حدث اختلال في توازنها فإنها تسعى بشكل تلقائي لاستعادة هذا التوازن للحفاظ على بقائها. أما في حال اختلال اتزانها فإن ذلك قد يكون من أسباب فناء النسق وانتهائه. لذا فإن لدى الأنساق الحية ميلاً طبيعياً للحفاظ على توازنها واستعادته إذا تعرض لعوامل أخلت بتلك الخاصية (Turner, 1986: 517).
التغذية العكسيةFeedback:
يشير مفهوم التغذية العكسية إلى عملية التقويم التي تحدث للمخرجات والمدخلات التي يصدرها ويستوردها النسق أثناء عملية تفاعله مع البيئة الخارجية، أي أنها النتيجة التي تحدث نتيجة للتفاعل وتساعد على نمو النسق واستمرار تفاعله.
وتشكل عملية التغذية العكسية نمطا من التقويم للنسق وهناك نوعان للتقويم، أحدهما داخلي، والذي يقوم به أفراد النسق للتحقق من مدى رضاهم عن كيفية التفاعل، وخارجي، من خلال استجابة ورضا الأنساق في البيئة الخارجية عن أداء النسق (سليمان وآخرون، 2005: 55-56؛ (Turner, 1986: 517 .
المدخلاتInputs:
تشير المدخلات إلى كافة ما يأتي للنسق من البيئة الخارجية من معلومات وطاقة، كما تتضمن كافة المصادر resource التي تتجمع لدى النسق سواء كان ينتجها بنفسه أو يحصل عليها من الخارج، وهذه المصادر قد تكون مادية أو حتى معنوية (عثمان ومحمد، 2005: 332؛ سليمان وآخرون، 2005: 53؛ الدامغ، دون تاريخ: 50).
المخرجاتOutputs:
يقصد بالمخرجات كل ما يصدر عن النسق من معلومات وطاقة إلى البيئة الخارجية، وتعكس المخرجات المدى الحقيقي والواقعي لقدرة النسق على تحقيق أهدافه. فكلما كانت مخرجاته تتفق مع أهدافه كان ذلك دليلاً واضحاً على توازنه (عثمان ومحمد، 2005: 332؛ سليمان وآخرون، 2005: 53؛ الدامغ، دون تاريخ: 50).
فقدان الطاقةEntropy:
يكون لدى كل نسق مستوى محدد من الطاقة يستغله في تفاعلاته الخارجية. ويشير فقدان الطاقة إلى العملية التي يبدأ فيها النسق في تصدير طاقة أكثر من تلك التي يستوردها، وبالتالي يقل ما لديه من طاقة، وذلك يؤثر على توازنه، كما تشير إلى تلك الطاقة الضائعة التي لا يقوم النسق باستغلالها، مما يؤثر في قدرة النسق على تحقيق أهدافه بشكل فعّال (سليمان وآخرون، 2005: 56؛ الدامغ، دون تاريخ: 50).
الارتباط التفاعليInterfance:
يشير مفهوم التفاعل إلى تلك العملية التي تتفاعل من خلالها الأنساق المختلفة بشكل تبادلي، وبينها وبين البيئة بشكل عام. حيث إن عملية التفاعل المتبادل والمستمر تعد من أهم العمليات المطلوبة لاستمرارية النسق وتنمية قدرته على تحقيق أهدافه، وعملية التفاعل خاصية من خصائص الأنساق المفتوحة، بينما الأنساق المغلقة تواجه صعوبات في عملية التفاعل وغياب تلك العملية من أسباب انتهائها (سليمان وآخرون، 2005: 54).
نظرية الأنساق العامة والخدمة الاجتماعية:
تشكل نظرية الأنساق العامة إحدى النظريات أو التوجهات النظرية التي أثرت بشكل كبير على نمو وتطور الأساس العلمي والمعرفي لمهنة الخدمة الاجتماعية، فنظرية الأنساق العامة من النظريات التي لم تتوقف مساهمتها على اعتبارها إطاراً نظرياً يستعين به الممارس ليوجهه أثناء ممارسته المهنية أو يساعده فقط في فهم عملائه وتفسير مشكلاتهم، بل تعدت ذلك بكثير وقدمت مساهمات كبرى للمهنة، وغيرت بعض مفاهيمها الأساسية .(Turner, 1986: 514) بل وامتد تأثيرها حتى في شكل وتقسيمات المهنة، ففي بداية ظهور مهنة الخدمة الاجتماعية في مطلع القرن العشرين كانت السيادة لخدمة الفرد التي سبقت الطرق الأخرى في الظهور، وكانت كما تم ذكره سابقاً في هذا المبحث السيادة لمدرسة التحليل النفسي التي استمدت خدمة الفرد منها الكثير من مفاهيمها وأساليبها العلاجية. وفي منتصف القرن العشرين بدأت الطرق الأخرى كخدمة الجماعة وتنظيم المجتمع في التبلور كطرق مستقلة وقائمة بحد ذاتها، وفي الخمسينيات وما تلاها من القرن العشرين كانت بداية تبلور واكتمال نظرية الأنساق العامة وانتقالها نتيجة للتكامل المعرفي بين العلوم المختلفة للخدمة الاجتماعية على يد كل من لوتس Lutz 1940م ثم على يد هيرن Hearnالذي يعود له الفضل الكبير في تبلور نظرية الأنساق العامة واستقرارها كنظرية من النظريات الأساسية في مهنة الخدمة الاجتماعية (محمد، 1983: 68؛ الدخيل، 2006: 112).
وقد لقيت نظرية الأنساق العامة اهتماماً واسعاً وكبيراً في أوساط المتخصصين ووجدوا فيها ضالتهم التي أخرجتهم من دائرة النظرة الضيقة لمشكلات العملاء والإغراق في العلاج الطويل المدى وتداخل ما يقومون بأدائه من أدوار مع دور المحللين النفسيين psychologist analyses فكان لا بد من التغيير في المهنة وفي النظرة للمشكلات خصوصاً أن تلك الفترة تزامنت مع ظهور مشكلات كبرى في المجتمع الأمريكي كالبطالة وحركات التحرير ومشكلات الأقليات. وبالتالي كانت النظرة للمشكلة من زاويتها النفسية نظرة غير مثمرة، ولا تساعد على مواجهة تلك الإشكاليات الكبرى (عثمان ومحمد، 2005: 329-330). وقد أصبحت الأسر مع الزيادة في حركات التحضر وزيادة الهجرة وارتفاع تعداد السكان وانتشار مشكلات الفقر تعاني هي كذلك من مشكلات وتتطلب تلك المشكلات التدخل لإيجاد حل لها حتى يمكن إعادة التوازن لها. كل تلك الأحداث وظهور نظرية الأنساق العامة -التي ذكرنا في السابق أن تأثيرها كان متجاوزا حد العلوم الطبيعية حيث أصبحت النظرة الشمولية للكون وعلى أنه يتكون من أنساق متداخلة ومتفاعلة ومعتمدة على بعضها البعض وأنه يصعب تفسير الخلل الذي يحدث في أحد تلك الأجزاء دون النظر للأجزاء الأخرى التي شكلت جزءاً من الفلسفة الفكرية التي وجهت تفكير العديد من العلماء في الكثير من التخصصات والمجالات الإنسانية- ساهمت في أن تحظى نظرية الأنساق العامة باهتمام واسع وقبول أوسع في أوساط المنتمين لمهنة الخدمة الاجتماعية حيث توسعت النظرة للمشكلات وللعملاء فتغير مفهوم “الشخص –في– الموقف”person -in- situation
إلى “الشخص –في- البيئة” person –in- environment (الدامغ، دون تاريخ: 48؛ Brandell, 1997: 14-15).
وتوالت المحاولات والمساهمات التي قدمها المتخصصون من خلال قناعتهم وتبنيهم لمنظور نظرية الأنساق العامة في تقديم الجديد والمبتكر للمهنة ومعطياتها، فقد ظهرت نتيجة لدخول نظرية الأنساق العامة العديد من المصطلحات الجديدة في حينها، كما تم ذكره في فقرة سابقة كمصطلح نسق المساعدة ونسق العميل.
والتأثير لم يتوقف عند حد المصطلحات بل إن نظرية الأنساق العامة ساهمت في تغيير نظرة وتعامل المهنة مع عملائها فقد تغيرت في الستينيات من القرن العشرين العمل بطريقة الطرق الثلاث الفرد والجماعة والمجتمع لتحل محلها أسلوب الممارسة العامة general practice كطريقة للممارسة والعمل يتضمن التعامل مع كافة الوحدات أفراداً كانوا أو جماعات أو مجتمعات. والتعامل مع مشكلاتهم من خلال النظرة الشمولية لها وفق أسس علمية محددة ووفق ما تصفه الكتابات المتعددة بالإطار النسقي أو الإيكولوجي. بعدما اتسعت النظرة لتكون أشمل وتضيف لها أبعاداً متعددة لتشمل البيئة بمعناها الطبيعي وتأثيرها على الأفراد والمجتمعات. بدلاً من النظرة التي كانت تسعى لتقسيم مشكلات العملاء وحصر الممارسين في التعامل مع مشكلات أو فئة بحد ذاتها. حيث أصبح من الممكن أن يكون لدى الممارس إطار مرجعي يساعد على الممارسة بأسلوب تكاملي من خلال فهم علاقة الفرد بالبيئة (محمد، 1983: 71؛ البريثن، 1998: 27).
كما أن نظرية الأنساق العامة ساهمت في ظهور نظريات متوسطة ونماذج ومداخل للممارسة استمدت معطياتها وأفكارها من نظرية الأنساق كالنظرية أو المدخل الإيكولوجي الذي ساعد كثيراً في التعامل مع المشكلات المجتمعية وقدم الكثير من المفاهيم التي تبناها عدد كبير من العلماء كمفهوم “الموقف الكلي” وغيره من المفاهيم والأدوات التي أصبحت جزءاً أساسياً من الإطار النظري لممارسة الخدمة الاجتماعية (محمد، 1983: 71). وكذلك تعد نظرية الأنساق العامة هي الإطار المعرفي الذي استمدت منه الكثير من مداخل العلاج الأسري أسسها الفلسفية وخطواتها العلمية (الدامغ، دون تاريخ: 48).
كما ظهر نتيجة لذلك ما يعرف بالنموذج الإيكولوجي في الممارسة ecological model والذي أصبح يستخدم كبديل للنموذج الطبي، حيث أصبح من المألوف خلال الفترة من عام 1960م وما يليها استخدام النموذج الإيكولوجي، فأصبحت عملية المساعدة تتضمن (تقدير الموقف- التدخل- التقويم). كما أصبح تقدير الموقف هو البديل المستخدم لمفهوم كل من مرحلة الدراسة والتشخيص -وفقاً لوصف النموذج الطبي- بينما حل مصطلح التدخل ليكون بديلاً لمصطلح العلاج. لتأتي بعدها مرحلة تقويم عملية التدخل والتأكد من الخطوات التي قام بها الممارس المهني (Zastrow, 2003: 18).
فاعتماداً على النموذج النسقي الإيكولوجي لم تعد النظرة لعملية التشخيص تقتصر فقط على تحديد المشكلة بل لا بد من عمل استقصاء لتفاعل وتداخل العوامل في البيئة والنظرة الشاملة والكلية لتحليل الموقف الإشكالي، وكذلك عملية العلاج لم تعد كافية بل لابد أن تتم وفق خطوات محددة للتدخل المهني من خلال أهداف محددة تسعى كل خطوة من خطوات التدخل لتحقيق تلك الأهداف (Brandell, 1997: 5).
فنظرية الأنساق العامة إذاً استطاعت أن تكون أحد التوجهات النظرية التي ساعدت على أن تنمو مهنة الخدمة الاجتماعية وتطور من أسلوبها وأدائها وأن تكون ملهمة فكرياً وعلمياً للقائمين على المهنة من باحثين وممارسين لأن يطوروا معطيات تخصصهم النظرية وأدواتهم المهنية في الممارسة.
الجذور الفلسفية والتاريخية للمدرسة السلوكية:
تُعد عملية التعلم إحدى الركائز الأساسية التي قامت عليها نظريات التعلم المتعددة التي انتظمت لتشكل ما عرف بالمدرسة السلوكية behaviorism، التي ينظر لها كأحد أهم التوجهات الفكرية والنظرية التي حاولت تفسير السلوك الإنساني بشكل عام. هذا إلى جانب تأكيد هذه المدرسة النظرية على أهمية البحث العلمي المنظم وعلى التصميمات التجريبية التي تعمد إلى الضبط أكثر من التأمل والتفكير النظري في الوصول للمعرفة وتفسير الحقائق (شقير، 2002: 199؛ محمد، 2004 (ب): 46). حيث إن نظريات التعلم السلوكية تُعد أحد الأسس التي ساعدت على استخدام المنهج التجريبي بتوسع في دراسة الظواهر الإنسانية، إذ قبل ظهور معطيات النظريات السلوكية كان استخدام المنهج التجريبي يقتصر على دراسة الظواهر الطبيعية، أما الظواهر الإنسانية فكانت دراستها محصورة في أسلوب التأمل والاستبطان العقلي والفكري. أما مع ظهور السلوكيين فقد بدأ أسلوب التجريب المعملي بما يعنيه من ضبط وتحكم واختبار فرضيات لقبولها أو رفضها، بدأ أسلوباً سائداً في دراسة السلوك الإنساني ومحاولة فهمه وتفسيره (رجب، 2003: 37؛ زغول، 2003: 38).
فنظريات التعلم السلوكية هي محاولات منظمة لتوليد المعرفة حول السلوك الإنساني وتنظيمها وتجميعها في أطر من الحقائق والمبادئ والقوانين بهدف تفسير الظاهرة السلوكية والتنبؤ بها وضبطها. ويتحدد الهدف الأساسي لنظريات التعلم في فهم السلوك الإنساني من حيث كيفية تشكله وتحديد متغيراته وأسبابه، ومحاولة إحداث التغيير والتعديل على هذا السلوك (سري، 2000: 119).
وتعود غالبية الفرضيات التي قامت على أساسها نظريات التعلم بجذورها إلى الأفكار التي قدمها المفكرون والفلاسفة القدماء، فنظريات التعلم الحديثة ما هي إلا محاولات علمية اعتمدت المنهج العلمي في إثبات صحة تلك الفرضيات. فقد تأثر العلماء المؤسسون لنظريات التعلم كثيراً بعدد من المذاهب الفلسفية، ولعل أكثر تلك المذاهب الفلسفية تأثيراً هو المذهب الترابطي associationism الذي جاء به أرسطو، حيث يفترض أن المعرفة عبارة عن مجموعة من الإحساسات الرئيسة التي تتفاعل مع البيئة لتشكل السلوك من خلال حوادث ومواقف معينة. أيضاً تأثرت أفكار السلوكيين كثيراً بالفلسفة المنطقية الوضعية logical positivisim، التي تؤكد على أن المعاني مستقلة عن الحواس ويمكن تفتيتها لأجزاء صغيرة وقياسها عن طريق مقاييس موضوعية (رجب، 2003: 42؛ الدامغ، 1996: 113). وتعد الفلسفة المنطقية الوضعية هي البداية لظهور ما يعرف بالمدرسة التجريبية أو الإمبيريقية empiricismفي مجال دراسة السلوك الإنساني، وذلك في سبيل محاكاة العلوم الطبيعية في أسلوب وصولها للحقائق العلمية عن الظواهر التي تعنى بدراستها. وقد انتقلت تلك الأفكار الفلسفية إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتؤسس ما عرف بالمدرسة السلوكية في بداية القرن العشرين على يد كلٍّ من ثورنديك Thorndiوجون واطسن Watson عام 1913م (زغول، 2003: 23-24؛ سري، 2000: 119؛ عبد المعطي، 1998: 371؛ زهران، 1982: 258).
وقد تطور عن المدرسة السلوكية العديد من النظريات والنماذج في بداية القرن العشرين. حتى استطاعت أن تحتل مكانة واسعة في منتصف القرن نفسه، وبالتالي تمكنت من أن تشكل توجهاً نظرياً ذا تأثير واسع على المتخصصين في مجالات العلوم السلوكية والمهن الإنسانية كعلم النفس والتربية وعلم الإدارة ومهنة الخدمة الاجتماعية وغيرها (شقير، 2002: 200-201). فقد أعطت نظريات المدرسة السلوكية المنتمين لتلك العلوم مجالاً واسعاً من المعرفة ونظرة مختلفة للسلوك الإنساني تختلف عن تلك النظرة التي سادت فترة من الزمن وبالأخص تلك الأفكار التي جاءت بها مدرسة التحليل النفسي، من حيث النظرة للنفس البشرية والسلوك البشري والتركيز على الدوافع، واللاشعور، وخبرات الماضي. فقد أصبح التركيز قائماً على الحاضر وعلى أن السلوك والمعرفة متعلمة، ويمكن التدخل لتعديلها والتحكم في مسارها (وولمان، 1996: 12). وأصبح التجريب هو أساس بناء المعرفة والوصول للحقيقة، وحتى يمكن قبول حقيقة ما، لا بد أن تخضع للتجريب والبحث العلمي ليتسنى التصديق بها (فايد، 2005: 383).
فإذن استطاعت المدرسة السلوكية أن تشكل توجهاً فكرياً قائماً بحد ذاته، أثر على الفكر الإنساني وصبغه بأسلوبه وأفكاره المعرفية. فكان لها تأثير على توجهات المتخصصين في علم النفس، بأن ساعدتهم على فهم النفس البشرية بصورة مختلفة عما كان سائداً قبل ذلك. كما ساعدتهم على استحداث أساليب علاجية استخدمت لعلاج العديد من المشكلات السلوكية والنفسية (عبد المعطي، 1998: 372؛ إبراهيم وعسكر، 2005: 243). وكذلك فإن المدرسة السلوكية أفادت المتخصصين كثيراً في المجال التربوي والتعليمي. بما أمدتهم به من نماذج وأساليب تعليمية اعتمدت على معطيات وأفكار نظريات المدرسة السلوكية، ساعدت فيما بعد على الارتقاء بالعملية التربوية والتعليمية. كما أن مهنة الخدمة الاجتماعية تعد من المهن التي تأثرت أيضاً بآراء السلوكيين، فقد كان لتلك المدرسة الفكرية تأثيرها الواضح على نمو مهنة الخدمة الاجتماعية وتطوير نماذجها وأساليبها المهنية.
أهم فرضيات ومفاهيم المدرسة السلوكية:
تحوي المدرسة السلوكية العديد من النظريات والنماذج النظرية وتصنف بدورها إلى فئتين (زغول، 2003: 37):
1. الفئة الأولى: وتعرف بالنظريات الارتباطية وتضم (نظرية الاشراط الكلاسيكي) لبافلوف وواطسن، وكذلك (نظرية الاقتران) لأدوين جثري Guthrie، فالفرضية الأساسية التي تؤكد عليها هذه النظريات تعتمد على تفسير التعلم على أنه عبارة عن ارتباطات بين مثيرات بيئية واستجابات معينة. والاختلاف فيما بينها يقوم فقط في تفسير طبيعة الارتباط وكيفية تشكلها.
2. الفئة الثانية: هي النظريات الوظيفية وتشمل (نموذج المحاولة والخطأ) لثورنديك، وكذلك (نظرية الحافز) لكلارك هل Hull، وأيضاً (نظرية التعلم الإجرائي) لبروس أف سكنر .Skinner وتؤكد هذه النظريات على الوظائف التي يؤديها السلوك بالاهتمام بالعمليات الارتباطية بين المثيرات والسلوك.
فإذن، كل النظريات التي تقع تحت نطاق السلوكية هي عبارة عن نظريات فسرت السلوك على أنه عملية تعلم نتيجة ارتباط بين مثيرات واستجابات لها. وإن اختلفت النظريات فيما بينها في تحديد هذه المؤثرات وطبيعة ارتباطها بالاستجابات من حيث المدة الزمنية بين حدوث المثير والاستجابة، وأنواع المثيرات التي تحدث استجابات تؤدي للوصول لعملية التعلم، وكذلك تأثير البيئة في حدوث عملية التعلم، ووظيفة السلوك. فالنظريات السلوكية في مجملها تفترض أن الفرد في نموه يكتسب السلوك (السوي والمرضي) عن طريق عملية التعلم (سري، 2000: 119).
ونظراً لتعدد النظريات السلوكية فإن لكل نظرية أو نموذج نظري فرضياته التي قام عليها، وكذلك مفاهيمه الخاصة، وإن كانت جميعها تصب في التركيز على دور عملية التعلم في اكتساب السلوك. وبالتالي تفترض أنه يمكن تعديل السلوكيات السلبية إذا ما تم إعادة تعليم وتوجيه للفرد. والاختلاف إنما يقع في الطريقة التي يتم بها تعديل السلوك.
وسنتوقف فيما يلي عند بعض نظريات المدرسة السلوكية لتوضيح فرضياتها الأساسية وكذلك أهم مفاهيمها:
النظرية الشرطية الكلاسيكية لبافلوف theory :Classical Condition
تفترض النظرية الشرطية الكلاسيكية لبافلوف أن التعلم يحدث نتيجة وجود مثير واستجابة على أن يكون هناك تعزيز لحدوث تلك الاستجابة (محمد، 2004 (ب): 125-126؛ حجاج، 1983: 88).
وفيما يلي عرض لأهم مفاهيم نظرية بافلوف في الاشراط الكلاسيكي (زغول، 2003: 48-49):
الاقتران :
ويقصد به التجاور الزماني لحدوث مثيرين أحدهما محايد والآخر يتطلب استجابة.
المثير:
وهو المثير الذي يقدر على استجرار الاستجابة وقد يكون طبيعياً أو شرطياً.
الاستجابة:
وهي بدورها نوعان طبيعية وشرطية فالاستجابة الطبيعية تحدث على نحو طبيعي كردة فعل لمثير، بينما الاستجابة الشرطية هي الاستجابة المتعلمة للمثير الشرطي نتيجة الاقتران بمثير طبيعي معين.
نظرية التعلم بالمحاولة والخطأ لثورنديك
:Learning of Trail & Error theory
تقوم نظرية التعلم بالمحاولة والخطأ لثورنديك على فرضية أن السلوك يكتسب عن طريق محاولات متكررة خاطئة حتى يتم الوصول للسلوك المطلوب، كما ركز على أهمية عملية العقاب والثواب في تأكيد سلوك أو في تعديله (محمد، 2004(ب): 70).
ومن أهم المفاهيم التي جاءت بها نظرية التعلم بالمحاولة والخطأ ما يلي (زغول، 2003: 68-71):
قانون الاستعداد:
ويقصد بالاستعداد حالة التهيؤ أو النزعة إلى تنفيذ استجابة متعلمة ما حيال موقف معين، حيث يرى ثورنديك أن الاستعداد يلعب دوراً في حدوث عمليات التعلم وتنفيذ الاستجابات.
قانون الأثر:
ينظر لقانون الأثر على أنه نتائج السلوك أو المحاولة التي يقوم بها الكائن الحي حيال الموقف المثير الذي يواجهه، فالمحاولات الفاشلة ينتج عنها عدم رضا، بينما يتم الاحتفاظ بأثر المحاولات الناجحة ويتم تكرارها.
قانون المران أو التدريب:
يرى ثورنديك أن تكرار المحاولات وزيادة مرات ممارستها يؤدي إلى زيادة الارتباطات بين مثير معين واستجابة، وفي المقابل فإن الإهمال يؤدي إلى ضعف الارتباط بين المثير والاستجابة.
نظرية التعلم الاجتماعي لباندورا The Social Learning Theory:
أعطت نظرية التعلم الاجتماعي لباندورا أهمية للبيئة الاجتماعية وأن الفرد يتعلم سلوكياته ويكتسبها من خلال الملاحظة والمحاكاة لما حوله من نماذج سواء كانت سلبية أو إيجابية، وتتأثر عملية المحاكاة للنموذج بعدة عوامل بعضها يرجع للفرد المُلاحِظ، وبعضها للنموذج المُلاحَظ، ومنها ما يرجع إلى الظروف البيئية التي يتم من خلالها تعلم السلوك (الزيات، 1996: 327؛ محمد، 2004(ب): 237).
وقد قامت نظرية التعلم بالملاحظة على عدد من المفاهيم ومنها (الزيات، 1996: 361):
التعلم الاجتماعي:
ويقصد به اكتساب الفرد أو تعلمه أنماطاً سلوكية جديدة واستجابات من خلال موقف أو إطار اجتماعي.
التعلم بالملاحظة أو النمذجة:
وهو تعلم الاستجابات أو الأنماط السلوكية الجديدة عن طريق ملاحظة سلوك الآخرين أو من خلال ملاحظة نموذج والاقتداء به.
المدرسة السلوكية والخدمة الاجتماعية:
استطاعت المدرسة السلوكية بنظرياتها المتعددة أن تلقي بظلالها وتأثيرها على ممارسة الخدمة الاجتماعية، وإن كانت كمدرسة نظرية نمت وتطورت في علم النفس إلا أنه انتقل للخدمة الاجتماعية العديد من فرضياتها ومفاهيمهما وتوجهاتها. والمتتبع لتطور مهنة الخدمة الاجتماعية يجد أن هناك العديد من التطورات التي مرت بها المهنة في الربع الآخير من القرن العشرين، كانت نتيجة لتأثر وتبني العديد من الممارسين للتوجهات النظرية للمدرسة السلوكية. فقد جاءت المدرسة السلوكية بكل ما تحمله من أفكار وأساليب علاجية في وقت كانت فيه مهنة الخدمة الاجتماعية تعاني فيه قصور في قدرتها على إرضاء عملائها من جهة وعلى إرضاء المنتمين لها من جهة أخرى. فقد أجري العديد من الدراسات لتقويم فاعلية المهنة في السبعينيات من القرن العشرين لتي جاءت معظم نتائجها لتؤكد أن المهنة لم تستطع تحقيق أهدافها كما هو متوقع منها (النوحي، 1999: 19؛ الدامغ، 2000: 5-6)، في وقت كان هناك ما يشبه الطفرة في نمو نظريات ونماذج المدرسة السلوكية وفي زيادة تأثيرها على اتجاهات العديد من المتخصصين في الدراسات والمجالات الإنسانية كافة. وبأنها النظريات التي اعتمدت المنهج التجريبي والأسلوب العلمي في فهم السلوك البشري ومحاولة التدخل لتعديله وتوجيهه. فقد لقيت تلك الأفكار النظرية قبولاً عند المتخصصين في مهنة الخدمة الاجتماعية حيث وجدوا فيها المعطيات التي قد تُحسِّن من أداء مهنتهم وتوجههم توجيهاً جديداً قد يساعد على تطوير أساليب المهنة ويساعدها على تحقيق أهدافها (النوحي، 1999: 34؛ (Turner, 1986: 131.
فالمدرسة السلوكية أمدت الممارسين المهنيين لمهنة الخدمة الاجتماعية بالكثير من المعطيات فعلى الجانب الفكري والنظرة لمشكلات العملاء فقد تغيرت النظرة لمشكلات العملاء على أنها خبرات من الماضي وأصبح ينظر لها على أنها مشكلات وسلوكيات متعلمة يمكن تعديلها بإعادة التعلم، وظهر العديد من الدراسات والأبحاث التي حاولت أن تتفهم مشكلات عملاء الخدمة في إطار النظريات السلوكية (النوحي، 1999: 17؛ زيدان وآخرون، 2002: 7).
ويمكن القول: إن المتأثرين بالمدرسة السلوكية هم أكثر من نادى وينادي بالدراسات التجريبية ويؤكد على أهميتها في تقويم فاعلية ممارسة المهنة وفي تحديد احتياجات عملائها وفي تحديد الأساليب الأكثر فاعلية للممارسة بناءً على ما تسفر عنه نتائج الدراسات التجريبية. فنجد أن الإضافات حول ما يتعلق بدمج البحث بالممارسة وإيجاد الباحث الممارس وظهور التصميمات والدراسات شبه التجريبية كتصميمات النسق المفرد single systems designs، والتركيز على أهمية القياس واستخدام المقاييس في تحديد مشكلات العملاء كانت معظمها من بنات أفكار ومساهمات المتبنين لتوجهات المدرسة السلوكية في مهنة الخدمة الاجتماعية، التي تركز على أهمية التصميمات التجريبية وشبه التجريبية، وإتباع المنهج العلمي في بناء المعرفة، والاعتماد على الملاحظة والقياس من أجل التأكد من الفرضيات والوصول للحقائق العلمية (Turner, 1986: 646). فقد رأى كلُُّمن شوارتز Schwartes وجولدايموند Goldaiamond في عام 1975م أن المدرسة السلوكية كاتجاه نظري في خدمة الفرد “تدعو إلى التعريف والتحديد الدقيق للمشكلات، وأهداف التغييرات وإجراءات التدخل، وهذا التحديد الدقيق لا يعمق الفهم بين الأخصائي والعميل، بل يسهل أيضاً عملية البحث والتقويم، والمسئولية والمحاسبية المهنية accountability، مما يعتبر ضرورياً لتطوير نظام لخدمة الفرد قائم على العمل الإمبيريقي” (النوحي، 1999: 20).
وفي دراسة أجريت حول مقالات الخدمة الاجتماعية المنشورة في الدوريات العلمية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة من 1977م وحتى 1997م وجد أن الموضوعات المتعلقة بالعلاج السلوكي behavioral therapy واستخداماته كانت من بين الموضوعات الأكثر تناولاً بالبحث والنشر بين أوساط المتخصصين في الخدمة الاجتماعيةMacarov, 2001:33) ).
وخلال السنوات الماضية أصبح مدخل تعديل السلوك behavior modification، ومدخل العلاج المعرفي السلوكي[1] cognitive behavior therapy -وهما مدخلان أساسيان من المداخل التي تبلورت من خلال تراكم التجربة والممارسة لتطبيق مفاهيم وفرضيات النظريات السلوكية في الممارسة في علم النفس- (إبراهيم وعسكر، 2005: 243) من أكثر المداخل انتشاراً وتوظيفاً في أوساط المتخصصين وبين الممارسين المهنيين عند التعامل مع عملاء الخدمة الاجتماعية. فقد وجد الممارسون المهنيون في هذين المدخلين الكثير من المفاهيم التي ساعدتهم على تفسير مشكلات عملائهم من جهة، وكذلك الأساليب العلاجية التي مكنتهم من التعامل مع مشكلات العملاء من جهة أخرى (سليمان وآخرون، 2005، 246؛ Turner, 1986: 103). ففي دراسة أجراها ستورم Storm في عام 1994م حول أكثر النظريات تبنياً في أوساط الأخصائيين الاجتماعيين وجد أن ما نسبته 32% من الأخصائيين الاجتماعيين يعتمدون على النظريات السلوكية والمعرفية في توجيه ممارساتهم .(Brandell, 1997: 18)
كذلك فإن تبني التوجه السلوكي فتح مجالات ممارسة حديثة للأخصائيين الاجتماعيين فقد أصبح بمقدورهم التعامل مع مشكلات غير تلك التي اعتادوا على التعامل معها حيث كانت مشكلاتهم تتركز في التعامل مع مشكلات الفقراء والفئات العاجزة كالمسنين ونحوهم من خلال تقديم التسهيلات والمساعدات (جبل، 2003: 14؛ النوحي، 1999: 20-21)، فقد أصبح بمقدور الأخصائيين الاجتماعيين التعامل مع العديد من الاضطرابات السلوكية، لكافة المراحل العمرية، بدءاً من مرحلة الطفولة وصولاً لمرحلة الشيخوخة (Turner, 1986: 131). بالإضافة لتطور أساليب العلاج الجماعي السلوكي عند التعامل مع الجماعات، كما ارتبط العمل في مجالات الإرشاد الاجتماعي social counseling كثيراً باستخدام تقنيات ومعطيات النماذج والمداخل العلاجية السلوكية (متولي وعبد المجيد، 1999: 27)، وإن لم تكن الوحيدة الملائمة، ولكن كان هناك إقبال كبير في أوساط الممارسين الاجتماعيين في التدريب على أساليب العلاج السلوكية وعلى استخدامها في التعامل مع الكثير من مشكلات عملاء الخدمة الاجتماعية (Turner, 1986: 132).
15 يُعد ورنر Warner هو أول من قدم النظريات المعرفية للخدمة الاجتماعية في عام 1965م، وقد لقيت بعد ذلك اهتماماً واسعاً في أوساط ممارسي الخدمة الاجتماعية (زيدان وآخرون 2002: 97؛ Brandell, 1997: 29).
منقول: ملتقى محبي علم النفس
مقالات و ابحاث
- 29 نوفمبر, 2017 أسباب السلوكيات السيئة لدى الأطفال
- 27 نوفمبر, 2017 لعبة فيديو لتحسين قدرة المصابين بالتوحد
- 26 نوفمبر, 2017 دراسة تربط تناول مضادات الاكتئاب أثناء الحمل بزيادة طفيفة في مخاطر التوحد
- 26 نوفمبر, 2017 عقار جديد قد يحدث طفرة في علاجات مرض التوحد
Leave a reply