العناد عند الاطفال
عناد الأطفال مشكلة تقلق الآباء وتؤرق الأمهات, ويصعب على الكثير من الأسر أن تتعامل مع ذلك الطفل الذي يرفض أن يطيع الأوامر ويصر على رأيه وقراره ولا ينفذ إلا ما يراه, وتملك الحيرة الآباء والأمهات في كيفية التعامل مع الطفل الذي دائما ما يقول “لا” , حيث لا ينجح أسلوب العنف والعقاب غالبا في التعامل مع الطفل العنيد, ووفقا لعلماء النفس وخبراء التربية فإن أساليب التنشئة الصحيحة واحتواء ذلك الطفل وتفهم احتياجاته هي السبيل لمعالجة مشكلة العناد التي قد تكون مجرد تعبير عن الشخصية المستقلة والإحساس بالذات في الحالات الطبيعة والسوية أو تعبير عن اضطراب سلوكي يحتاج إلى علاج وإرشاد نفسي واجتماعي.
وفي هذا التحقيق, نعرف آراء خبراء تربية الأطفال وعلم النفس والصحة النفسية وعلم الاجتماع من أجل الاقتراب من مشكلة عناد الأطفال وأسبابها وأعراضها ومخاطرها وكيفية علاجها.
تقول الدكتورة ثناء الضبع أستاذة تربية الطفل بجامعة حلوان: العناد مشكلة تكمن في رفض الطفل لأوامر الآباء والأمهات حيث يكون دائما مغايرا وغير مساير لكلام الأسرة.
ويبدأ سلوك العناد عند الأطفال من سن سنتين حيث يبدأ الطفل في تعلم أن يقول ” لا ” , والرفض هنا بداية لتكوين الشخصية, فالطفل يريد أن يقول “أنا موجود” , “أنا مختلف” والإبداع دائما يأتي من المغايرة والاختلاف بعكس الطفل الذي يطيع الأوامر طاعة عمياء.
فالعناد عند الطفل قد يكون بداية لتكوين الشخصية وتأكيد الذات وأنه له كيان ووجود, غير أن العناد في بعض صوره يكون مرتبطا بعدم إشباع الطفل من بعض احتياجاته وحرمانه منها ومن أهمها الحنان والتقدير ومعاناته من التشدد والقسوة والقصور في إشباع الحاجات وخاصة الحنان والتقدير يولد لدى الطفل سلوكيات العناد.
ويجب على الأسرة إشباع احتياجات الطفل والتسامح معه والتعرف على إمكاناته والتعامل معه كطفل وليس كشخص راشد, والنزول إلى مستواه ومحاولة التفهم لاحتياجاته ورغباته ودعم إحساسه بذاته.
وسلوكيات العناد عند الطفل ورفضه المشاركة مع الآخرين واعتداد الزائد بنفسه وأسلوبه المتفرد قد تكون نتيجة حرمان عاطفي ورغبة في إشباع حاجاته , والعناد قد يرتبط بالغيرة من ميلاد طفل جديد في الأسرة , وهنا لابد من عدم التفرقة في التعامل بين الأطفال واتباع أسلوب التسامح والحزم في ذات الوقت وعدم التذبذب في أساليب التربية واتباع أسلوب معاملة واحدة , ولو تكررت سلوكيات العناد يتم اللجوء إلى التعزيز الإيجابي من خلال مكافأة الطفل ماديا أو معنويا إذا غير من سلوكياته.
ولو ارتبط العناد بالعدوان لدى الطفل فلا يجب أن نقابله بالعدوان وذلك أن العدوان يولد العدوان , فيجب أن نحاول أن نقترب من الطفل من جميع الجهات فسيولوجيا ونفسيا ونفهم احتياجاته ونقدرها ونعزز من شخصيته وقيمته وذاته.
فالطفل الصغير يشعر بالضعف أمام الكبار ويريد في نفس الوقت ان يثبت ذاته فيعوض هذا النقص لديه من خلال المغايرة والرفض والعناد.
وترى الدكتورة ثناء أن العناد مشكلة بسيطة وليست صعبة مع الطفل إلا إذا تم إساءة التعامل معها حيث تؤدي تلك الإساءة إلى تطورها نحو الأسوأ. والعناد مشكلة في الأساس نمائية أي مرتبطة فقط بفترة من عمر الأطفال يزول بعدها سلوكيات العناد لديهم.
أساليب التربية الخطأ
تقول الدكتورة سهير محمود الأمين, أستاذة الصحة النفسية بجامعة حلوان: العناد عند الأطفال ليس مشكلة في حد ذاته بقدر ما هو تعبير عن أساليب خطأ في التعامل من الأم والأب والأسرة مع الطفل, الطفل منذ سن عامين يبدأ في تأكيد ذاته والإحساس بمفهوم الذات والانا , ويحتاج دائما لتأكيد هذه الأنا فنجد يقول “لعبتي , كرتي , مامتي… الخ” ويتشكل مفهوم الطفل عن ذاته من مرحلة سنتين حتى سن ست سنوات وفي تلك المرحلة المبكرة من عمر الطفل تكون صورته عن ذاته أم ايجابية أو سلبية , وتلك النظرة نتاج ثلاث مراحل أولاها أن الطفل يحتاج النظرة الإيجابية من الآخر , وهي حاجة فطرية عند الطفل أن يشعر من الأب والأم والمحيطين بالنظرة الإيجابية والتقدير دون قيد أو شرط , وتولد تلك النظرة الإيجابية من الآخرين نظرة ايجابية لدى الطفل عن ذاته فيشعر بالثقة في النفس , وعادة إن لم يشبع الطفل هذه الحاجة ووجد سوء معاملة من الأم والأب أو تم وضع شروط لتقديره تقع لديه اضطرابات سلوكية عدة من بينها العناد.
فالطفل دائما بحاجة إلى مساحة من الحرية واستشعار التقدير من الآخرين , ذلك أن النقد المستمر يجعل الطفل مفتقد للتقدير والنظرة الإيجابية ويشعر بالإحباط فيلجا إلى العناد الذي قد لا يقتصر على الرفض فقط وإنما قد يصل إلى العنف والعدوان تجاه الذات وتجاه الآخرين.
فالطفل دائما في حاجة للحب والتقبل والإحساس بالذات, ذلك أن شخصية الطفل تتكون في أول 5 سنوات من عمره وأساليب التربية الخطأ ينتج عنها مشكلات سلوكية كثيرة لدى الطفل من بينها العناد .
وعلاج مشكلة العناد لدى الأطفال يستوجب علاج الأسرة نفسها , حيث تحتاج الأسرة للإرشاد النفسي , فأحدث النظريات النفسية تتكلم عن الطفل غير المتزن وغير السوي تعبير عن مناخ أسري غير سوي, ويحتاج إلى علاج وإرشاد للنسق الأسري.
والعناد ليس صفة وراثية مثلما يقال دائما في الأوساط المجتمعية إن الطفل عنيد مثل أحد أقاربه , ذلك أن الصفات الوراثية مجرد استعداد وليست سمات شخصية, ومن ثم فإن العناد يتولد من طبيعة المناخ الأسري وعلاجه يحتاج إلى تقبل الطفل والاستماع دائما لوجهة نظره , ذلك أن عناد الطفل في بعض الأحيان أن لم يكن سافرا يكون إيجابيا وتعبيرا عن إحساس بذاته ووجهة نظره متمثلا في قدرته على أن يقول “لا” وان تكون له مبررات للرفض بعكس العناد السافر الذي يعبر عن مرض واضطراب سلوكي , ويتمثل في الرفض الدائم وعدم الطاعة في جميع الأحوال والميل نحو العنف والإيذاء .
والعناد إذا كان في الحدود الطبيعية فإنه يحتاج فقط للإقناع والتفاوض مع الأبناء وهذا فن لا يجيده كثير من الآباء , وإذا لم تنجح تلك الأساليب فهناك أسلوب الإرشاد الجماعي حيث يتم وضع الطفل مع مجموعة أخرى من الأطفال من اجل تعديل سلوك بعضهم بعضا فمثلا يتم تشكيل فريق كروي جماعي ويتم وضع قواعد للعبة لا يستطيع احد مخالفتها, ومن يرفضها يجد نفسه خارج الجماعة ومحروم من اللعب والإرشاد الجماعي من خلال هذا الأسلوب تحت إشراف مرشد نفسي لعلاج هذا السلوك.
العناد السوي
يفرق الدكتور حسام الدين عزب أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس بين نوعين من العناد فهناك العناد البسيط السوي , وهناك العناد المرضي الذي يعبر عن اضطراب سلوكي ويقول: العناد السوي بذرة الإرادة القوية والإصرار والمثابرة , والطفل الذي لديه إصرار يمكن أن يكون سوياً أو مريضاً.
والانجاز هو الخط الفاصل بين العناد السوي والعناد المرضي , فإذا عبر العناد عن إصرار الطفل عن عمل ما يريد تحقيقه واستطاع القيام بانجاز حقيقي في شيء مفيد , من خلال الإرادة والمثابرة والقدرة على الانجاز فهذا عناد سوي وايجابي يعبر عن شخصية قوية وايجابية.
إما إذا أصبح العناد عملية إصرار على عمل أشياء غير مفيدة وضارة فهو عناد مرضي , فنجد الطفل مصمما على خطف لعبة زميله أو تكسيرها أو حتى القيام بأعمال تخريبية , فهذا تعبير عن اضطراب سلوكي وعناد مرضي.
وكل سلوك وراءه دافع , حتى السلوك المرضي وراءه دافع , فالطفل على سبيل المثال إذا أحس بقلة الاهتمام به نتيجة ميلاد طفل جديد في الأسرة فإنه يشعر بالغيرة, ومن ثم يقوم بسلوكيات من أجل جذب الاهتمام, والطفل هنا إن لم يكن لديه قدرة على الإبداع لجأ إلى أسلوب خالف تعرف , فيخالف بالعناد ويقوم بسلوكيات مخالفة ومغايرة ولا يطيع أوامر الأم أو الأب ويلجا دائما إلى مشاكسة من حوله من اجل لفت النظر إليه.
وقد يتطور العناد في هذه الحالة إلى سلوك عدواني مثل عدوانية الأشقاء تكرار لقصة ولدي آدم قابيل وهابيل ويوسف وإخواته, كما قد يلجأ الطفل العنيد إلى ممارسة العدواني ضد الذات وإيذاء نفسه , وهناك السلوك العدواني ضد الذات وضد الإخوة أو الآخرين هو سلوك خطير للغاية يلجا إليه الطفل من أجل أن يرغم الوالدين على الاهتمام به.
ولا يقتصر أسباب العناد على الغيرة فحسب وإنما هي منظومة سببية من ضمنها القسوة الزائدة والتدليل الزائد والحماية الزائدة والتفرقة بين الأبناء والتذبذب في المعاملة وتفضيل الذكور على البنات.
والتعرف على أسباب العناد أفضل الطرق لعلاجه من خلال التعويض والحوافز التشجيعية للطفل والتعزيز الإيجابي والتعزيز السلبي وتجنب الضرب والعنف والعدوان ضد الطفل العنيد دائما.
ويحذر الدكتور عزب من سلوك العناد إذا تعامل بقسوة وعدوانية فمن الممكن أن يتحول إلى سلوك إجرامي وعدواني فنجد الطفل يكسر ويدمر ويخرب ما يجده حوله وقد يؤذي نفسه أيضا.
ومواجهة سلوكيات العناد بأساليب غير تربوية وغير صحيحة واللجوء إلى العنف والعدوان في علاج العند سيؤدي إلى سلوك تصعيدي لدى الطفل, فيزيد من عناده وإصراره , بينما التعزيز الإيجابي من خلال الإثابة أو الحرمان من الثواب بالتعزيز السلبي من أجل تعديل سلوكيات العناد مع تجنب العقاب والإيذاء البدني في جميع الأحوال هو الأفضل في جميع الأحوال.
وإذا لم تنجح تلك الأساليب التربوية في علاج الطفل العنيد يتم اللجوء إلى الأخصائيين النفسيين من أجل دراسة المشكلة وعلاجها.
انهيار منظمة التربية
يقدم الدكتور علي المكاوي رئيس قسم علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة رؤية مختلفة تشير إلى أن عملية التربية أصبحت معقدة وليست مثل الماضي تقتصر على الأسرة والأصدقاء والمجتمع المدرسة والجامعة, حيث أصبحت تحكمها المؤثرات الخارجية التي هدمت عملية التربية من الأساس ومن أبرزها وسائل الإعلام والفضائيات ووسائل الاتصال الحديثة مثل الانترنت والهواتف المحمولة , وكلها منظومة أدت إلى الخلل في عملية التربية وأفرغتها من مضمونها ومحتواها فضاعت معها القيم الاجتماعية وهدمت مقومات الضبط الاجتماعي وسادت معها مفاهيم الحرية المغلوطة. والعناد هنا يتولد من الخلل في منظومة التربية ولا ينفصل عن فكرة الحصول على الحقوق من دون القيام بالواجبات وقد يكون في حد ذاته وسيلة للضغط على الأسرة من جانب الطفل لتحقيق هدف معين.
ويحذر المكاوي من مخاطر مشكلات سلوكيات العناد في عدم قبول الآخر وعدم الحوار وأداء الوجبات والأنانية التي تصنع مجتمعا أنانيا لا يعترف بالحوار ويغيب عنه التوازن, وهي الظروف التي نعيشها حاليا.
ويقول: علاج مشكلة العناد وتداعياتها يكمن في إصلاح الخلل في منظومة التربية ودعم فكرة الحوار المجتمعي وقيم المشاركة والحوار وقبول الآخر وأداء ا منقوووووووول
مقالات و ابحاث
- 29 نوفمبر, 2017 أسباب السلوكيات السيئة لدى الأطفال
- 27 نوفمبر, 2017 لعبة فيديو لتحسين قدرة المصابين بالتوحد
- 26 نوفمبر, 2017 دراسة تربط تناول مضادات الاكتئاب أثناء الحمل بزيادة طفيفة في مخاطر التوحد
- 26 نوفمبر, 2017 عقار جديد قد يحدث طفرة في علاجات مرض التوحد
Leave a reply