
ليبيا المستقبل
5 أكتوبر 2016م
عبدالباسط عباس
أتناول خلال هذه الأسطر مفهوم الاندماج التربوي ولمحة تاريخية عنه وفوائده ومعايير نجاحه وطرق التعامل مع الطالب المندمج من ذوي الإعاقة البصرية، كما أتطرق باختصار إلى تجربة جمعية الكفيف بنغازي في هذا المجال، ثم أعرض مقترحات للقائمين على تعليم هذه الشريحة للنظر في تطبيقها والأخذ بها في مجال التطوير والتصحيح.
ماذا يُقصد بالاندماج التربوي؟
يقصد به اشتمال المدارس العادية على جميع الطلاب بغض النظر عن مستوى الذكاء أو الإعاقة لديهم مع تزويدهم بخدمات التربية الخاصة.
لمحة تاريخية:
اتجهت الولايات المتحدة الأمريكية إلى إدماج التلاميذ من ذوي الإعاقة في المدارس العادية بالنظر إلى ما أدى إليه عزلهم في مؤسسات خاصة من تمييز اجتماعي وهضم لحقوقهم التعليمية، وكان ذلك نتيجة لسعي عديد من المنظمات الحقوقية بها إلى المطالبة بمساواة ذوي الإعاقة بغيرهم في التعليم وتكييف كل ما يتصل بالعملية التعليمية ليكونوا مع غير ذوي الإعاقة جنباً إلى جنب في هذا المضمار، ونجم عن هذه المساعي إصدار قانون يضمن حق الاندماج في أمريكا سنة 1975م.
ما تصنيفات ذوي الإعاقة البصرية من الناحية التربوية؟
ا. المكفوف: هو شخص يتعلم بشكل خاص من خلال القناتين الحسيتين السمع واللمس.
ب. ضعيف البصر: هو شخص لديه ضعف بصري شديد بعد التصحيح ولكن يمكن تحسين الوظائف البصرية لديه.
ج. محدود البصر: هو شخص يستخدم البصر بشكل محدود في الظروف الاعتيادية.
فوائد الاندماج التربوي:
أولاً– مردوده الإيجابي على الطلبة:
1- التعلم والاهتمام المتبادل بين التلاميذ ذوي الإعاقة البصرية وغير ذوي الإعاقة البصرية.
2- تصحيح اتجاهات بعضهم نحو بعض.
3- تعلم ذوي الإعاقة البصرية بصورة أفضل بسبب الدافعية الناجمة عن تغير نظرتهم إلى أنفسهم.
4- اكتساب الطلاب ذوي الإعاقة البصرية للمهارات الأكاديمية والاجتماعية ومهارات الحياة اليومية وإعدادهم للحياة الاجتماعية والمهنية مستقبلاً.
5- تقبل الطلبة الذين ليس لديهم إعاقة لمبدأ وجود فروقات واختلافات بين الأفراد وتعلمهم أن ذا الإعاقة ليس شخصاً غريبا أو مخيفا.
6- تحسن نظرة الطلاب ذوي الإعاقة نحو ذواتهم وزيادة ثقتهم بأنفسهم ومساعدتهم على بناء استقلاليتهم.
ثانياً– مردوده الإيجابي على المعلمين ويتمثل في تحسين اتجاهاتهم نحو فكرة الاندماج التربوي لاعتيادهم على وجود الطلبة ذوي الإعاقة البصرية وتمرسهم في تعليمهم.
ثالثاً– مردوده الإيجابي على المجتمع:
1- تحقيق قيم العدالة الاجتماعية.
2- تحقيق مبدأ التكافؤ الاجتماعي; وذلك بأن يكون الطلاب ذوو الإعاقة جزءً من النظام الاجتماعي والتربوي للمجتمع.
3- تحسن اتجاهات المجتمع نحو فكرة الاندماج التربوي ونحو ذوي الإعاقة بشكل عام.
دعائمه ومعاييره:
لا بد لتحقيق الاندماج التربوي على أسس متينة دون وقوع آثار عكسية من وجود الترابط والتعاون بين تعليم الفئات الخاصة والتعليم العام وذلك على مستوى المدرسة والمنطقة والإدارة التعليمية والمؤسسات الاجتماعية ذات الصلة فضلا عن توافر الكوادر البشرية المؤهلة في التخصصات ذات الصلة بالعملية التربوية بما في ذلك التربية الخاصة، كما ينبغي توفير الوسائل والأدوات التعليمية المعينة مع إمكانية تعديل المناهج وملاءمة التدريس وتكييف البيئة التعليمية وإعداد الخطط التربوية المتنوعة التي تضع في الاعتبار التفريد في التعليم لوجود الفروق الفردية بين المتعلمين، ومن دعائم الاندماج التربوي الناجح أيضا وجود مقررات خاصة تعطى خارج الفصل العادي.
كما لا ينبغي انخراط الطفل في هذا البرنامج إلا بعد تأهيله وتحديد مدى قدرته واستعداده وقابليته للاندماج بحيث لا يكون عبءً على المعلم ومؤثرا سلبيا على بقية الطلاب؛ وذلك بإعداده من خلال مرحلة انتقالية، على أن يكون اختيار الطفل من قبل لجنة متخصصة، ويتطلب الاندماج أن يكون الفصل العادي مناسبا للتعليم من حيث السعة، كما يراعى تهيئة الأطفال العاديين لتقبل مثل هذه البرامج، كما يوضع في الاعتبار نوع إعاقة الطفل وشدتها وتحفيز الأسر على تعليم أبنائها بعض مهارات الحياة الأساسية قبل سن المدرسة كالاعتماد على النفس في الأكل وأساسيات الحركة والتنقل، ويجب كذلك اختيار مدرسة مؤهلة مهيئة (متقبلة)، لدى إدارتها والعاملين بها الاستعداد والرغبة للقيام بهذا البرنامج، كما يعنى بتوعية الأسر وإشراكها في متابعة أبنائها ومساعدتهم، ومن عوامل نجاح الاندماج التربوي منح الحوافز المالية لمدارس الاندماج التربوي وتخصيصها بمميزات تحفيزية، كما ينبغي إقامة الدورات التدريبية في مجال التربية الخاصة للعاملين بها.
دور جمعية الكفيف بنغازي في ترسيخ تطبيق فكرة الاندماج التربوي:
اهتمت مدرسة الجمعية بالإشراف على الطلبة ذوي الإعاقة البصرية في المدارس العادية منذ ثمانينات القرن الماضي في بعض مناطق ليبيا، وكان معظمهم خارج مدينة بنغازي، ثم تطور الأمر تدريجياً فعين مشرف للمتابعة كانت تبعيته لقسم الخدمات الاجتماعية بالجمعية عام 2003م، لتتولى هذا البرنامج وحدة تابعة لمدرسة الجمعية عام 2005م، وفي عام 2012م استحدث مكتب الاندماج التربوي وأصبحت تبعيته لإدارة الجمعية مباشرة لتمكينه من أداء عمله بصورة أفضل وبإمكانات أكبر، وقد شرع المكتب في التوسع في عمله وازداد عدد زيارات المتابعة وعدد المعلمين المتابعين وتم تقسيم العمل بينهم تمهيداً لمرحلة الاندماج الكامل الذي تتطلع إلى تحقيقه الجمعية في المستقبل.
رسالة مكتب الاندماج التربوي بالجمعية:
يعمل المكتب على دعم الطلبة ذوي الإعاقة البصرية المندمجين في المدارس العادية من مختلف جوانب شخصياتهم بالوسائل المتاحة بالتنسيق مع الجهات ذات الصلة بوزارة التربية والتعليم، كما يسعى إلى تقديم الخدمات الفعالة لهؤلاء الطلبة ومتابعتهم سعياً نحو تحقيق استقلاليتهم وكفايتهم التعليمية والحد من الصعوبات التي تواجههم، وينشر المكتب الوعي بحقوقهم التربوية وبالفوائد الجليلة التي تعود عليهم من وراء تطبيق هذا المبدأ.
كيف نتعامل مع الطالب ذي الإعاقة البصرية المندمج؟
أولاً– في البيت:
1- عدم المبالغة في التدليل والعطف.
2- تكليفه بالقيام بمهام وأدوار لتمكينه من اكتساب استقلاليته.
3- إدماجه في بيئته الطبيعية لينمي حواسه الأخرى، وتعليمه مهارات الحياة اليومية التي لا يتعلمها بمفرده بسبب فقد حاسة البصر كالطرق المتبعة في النظافة الشخصية وتناول الطعام وارتداء الملابس وترتيب الفراش والجلوس الخ.
4- تمكين الطفل من اللعب مع أقرانه لأن ذلك يعد ضرورياً لنموه الحسي وإحساسه بالمسؤولية والولاء للجماعة واحترام قيمها وعاداتها.
ثانياً– في المدرسة:
1- عدم تمييزه عن غيره من الطلبة بدافع العطف والشفقة وإشراكه في المناشط الصفية وغير الصفية قدر الإمكان.
2- عند كتابة المعلم أية ملحوظة أو معلومة على السبورة يجب عليه أن يُسمع الطالب ما يكتب أو يكبر الخط إذا كان الطالب يتمكن من القراءة.
3- منحه وقتاً أطول في أثناء القيام بواجبه وامتحانه سواء أكان يكتب وحده أو بالاستعانة بغيره.
4- إجلاسه في أحد المقاعد الأمامية ووضع الطالب ضعيف البصر في مكان ذي إضاءة مناسبة له.
5- تخصيص وقت إضافي لشرح ما يصعب فهمه بسبب الإعاقة البصرية.
6- محاولة ابتكار وسائل توضيحية للأفكار المجردة والرسومات والتركيز على الشرح اللفظي للطالب ذي الإعاقة البصرية الذي لا يقرأ الخط المكبر.
7- لا بد أن يكون للطالب المندمج شبكة من الأقران الداعمين داخل المدرسة وخارجها يعينونه على تعرف البيئة الجديدة وتجاوز الصعوبات.
8- الفصل الصحي تعليميا ينبغي أن يشتمل على 24 طالبا من غير الفءات الخاصة مع عدد من 2 إلى 4 من طلبة الفئات الخاصة إضافة إلى معلم الفئات.
9- لا بد لمعلمي المندمجين في مواد الرياضيات والحاسوب والعلوم من الإلمام بمبادئ تعليم ذوي الإعاقة البصرية.
10- على المعلم استثمار طريقة التعليم التعاوني ليشترك الطالب المندمج في الإفادة والاستفادة.
11- وظيفة شرح الدرس للجميع بما فيهم الطالب ذو الإعاقة البصرية من اختصاص المعلم الرئيس وليس المساعد، أما المعلم المساعد أو المستشار أو معلم المصادر فيحتاج إليه للاستشارة والمساعدة في تعليم ما يصعب شرحه وتكييف بعض جزئيات المادة ووضع الخطط.
12- أن يدرب المعلم الطالب على العمل الجماعي وتحمل المسؤولية ويعطيه بعض المواقع القيادية داخل الصف، وأن ينمي مهارة حب الاستطلاع لديه
13- تكثيف الزيارات ومتابعة كل حالة على حدة من جميع النواحي دراسيا ونفسيا واجتماعيا وصحيا وسلوكيا لمعالجة المشكلات أولا بأول بالاستعانة بالفريق متعدد التخصصات.
14- توعية التلميذ المراد إدماجه وزرع الرغبة والحافز لديه وتقوية ثقته بنفسه ودافعه إلى الاستقلالية وتعريفه ببيئة المدرسة قبل انخراطه في هذا البرنامج.
وهذه مقترحات مقدمة إلى مكتب تعليم واندماج الفئات الخاصة بوزارة التربية والتعليم بهذا الشأن:
• أن تكون تبعية الإشراف على هذا البرنامج وتنفيذه لمكتب تعليم الفئات الخاصة التابع لوزارة التربية والتعليم، مع الاستفادة من تجربة جمعيتي الكفيف ببنغازي والنور بطرابلس وخبرتهما في تعليم ذوي الإعاقة البصرية ورعايتهم وتأهيلهم وذلك بإسهامهما في إجراء الدورات وتقديم الاستشارات والعناية بمن لديهم إعاقة مع الإعاقة البصرية، واستثمار المعلمين بمدرستي هاتين الجمعيتين ليكونوا داعمين لمعلمي الصف في المدارس العامة بقيامهم بأدوار معلم غرفة المصادر والمعلم الزائر والمعلم المستشار.
• إصدار لوائح قانونية تضمن حق ذوي الإعاقة البصرية في الاندماج التربوي وتوفير مستلزمات نجاحه كإتاحة المعينات التعليمية وتكييف المناهج الدراسية ومنح المعلمين التابعين إلى هذا البرنامج امتيازات خاصة كتقليل نصاب حصصهم عن مدرسي التعليم العام وتخصيص حوافز تشجيعية لهم؛ وذلك لما يبذلونه من جهد يتطلبه هذا التعليم الخاص في إيصال المعلومة.
• إعداد مكاتب وزارة التعليم وإداراتها إعدادا جيدا لتقديم الخدمات التربوية للطلبة المندمجين وتدريسهم وإعداد المدارس العامة بتهيئة البيئة وتأهيل الكوادر البشرية وتوعية القائمين على العملية التربوية والطلبة المبصرين بها.
• توعية المجتمع بأهمية هذا البرنامج بمختلف الطرق كوسائل الإعلام المختلفة.
• وضع أسس وضوابط لاختيار المعلمين المساعدين لمعلمي الصف العادي والمختصين بالإشراف التربوي على هذا البرنامج بحيث يكونون ممن درس تخصص التربية الخاصة مع تلقي دورة ابتدائية في هذا المجال مدة سنة على الأقل وإلمامهم بطريقة برايل ووسائل تعليم المكفوفين وطرائق تدريسهم، ورفع كفايتهم بإجراء الدورات المنتظمة وإقامة الندوات والمؤتمرات والمحاضرات والاستعانة بالخبراء من الدول المتقدمة في هذا الميدان.
• وضع مقررات إضافية خاصة تعطى خارج الصف الدراسي تشمل تعليم مهارات الحياة اليومية، ويستعان في تدريسها بمعلمي غرفة المصادر مثل: تنمية الحواس وتعليم برايل ومهارات التحرك والتوجه والنظافة الشخصية وارتداء الملابس وغسلها وكيها وتناول الطعام وترتيب الفراش وتنظيف المنزل والسباكة والتسوق وأعمال المطبخ والخياطة وغير ذلك، ولا تترسخ مثل هذه المهارات إلا بالتعاون مع أسرة التلميذ.
• شمول برنامج الاندماج لجميع المراحل العمرية ابتداءً من سن الروضة شرط عدم وجود إعاقة أخرى تؤثر في التعلم غير العوق البصري كالاضطرابات السلوكية والانفعالية واضطرابات التواصل وصعوبات التعلم وضعف السمع; لأنه ينبغي أن تكون لمتعددي الإعاقة مراكز خاصة تعنى بتأهيلهم وتعليمهم.
• توفير معلم غرفة المصادر الذي يساند الطالب ذي الإعاقة البصرية حين الحاجة للمساعدة كتدريس المواد والجزئيات التي يصعب عليه تعلمها في الصف العادي وكتابة أسئلة الاختبارات ببرايل أو بالخط المكبر وتعليم بعض المهارات التعليمية ومهارات الحياة اليومية ومساعدة معلم الصف، ويشترط لتوفيره أن يكون عدد الطلبة المندمجين بالمدرسة 4 فأكثر مراعاة للجانب الاقتصادي.
• توفير المعلم الزائر، وهو الذي يقوم بمتابعة الطلبة من خلال قيامه بزيارات منتظمة وفق جدول معين، كما يستدعى حين الحاجة.
• توفير المعلم الاستشاري، وزياراته موسمية، ووظيفته حل المشكلات التي يواجهها معلم الصف العادي في تدريسه للطالب ذي الإعاقة البصرية فهو لا يقابل الطالب مباشرة.
• تعاون إدارة المدرسة والمعلمين والاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين والمشرفين على النشاط وجميع من لهم صلة بتعليم الطالب المندمج في تطبيق هذا البرنامج.
• تطوير خدمات هذا البرنامج وتصحيحها باستمرار بالاستعانة بالأبحاث والدراسات في الجامعات والمراكز البحثية والاطلاع على تجارب الدول السابقة لنا في تبني مثل هذه البرامج.
ولا ريب أن الاتجاه نحو اندماج الطلاب ذوي الإعاقة البصرية من السياسات التي سيكون لها آثار طيبة على هؤلاء الطلاب ومجتمعاتهم، غير أنني لست مع استسهال هذا الأمر والتسرع في تعميمه قبل تأهيل الكوادر البشرية اللازمة وتوفير المعينات التعليمية وتأهيل المنظومة التعليمية بأسرها، ونحن نأمل أن تذلل العقبات أمام تحقيق هذا الطموح الكبير.
وختاما بالنظر إلى ما لهذا التوجه من إيجابيات نفسية واجتماعية وتربوية على أبنائنا من ذوي الإعاقة البصرية نوجه الدعوة للجميع للمشاركة في دعمه على الصعيدين الشعبي والرسمي من أجل بناء الإنسان الفاعل ولإتاحة الفرصة للمواطنين من ذوي الإعاقة للمشاركة في بناء ليبيا الجديدة وتقدمها.
رابط الموضوع:
http://www.libya-al-mostakbal.org/95/7598/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AF%D9%85%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A8%D9%88%D9%8A-%D9%84%D8%B0%D9%88%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D8%A7%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9.html
مقالات و ابحاث
- 29 نوفمبر, 2017 أسباب السلوكيات السيئة لدى الأطفال
- 27 نوفمبر, 2017 لعبة فيديو لتحسين قدرة المصابين بالتوحد
- 26 نوفمبر, 2017 دراسة تربط تناول مضادات الاكتئاب أثناء الحمل بزيادة طفيفة في مخاطر التوحد
- 26 نوفمبر, 2017 عقار جديد قد يحدث طفرة في علاجات مرض التوحد
Leave a reply